أهالي ناحية السلام في ميسان بدأوا عصياناً مدنياً أمس احتجاجاً على سوء الخدمات بحسب ما نقله موقع الفرات نيوز. وأحسب أن هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها منطقة عراقية إلى هذا الأسلوب في الاحتجاج، بعد أن ملّ العراقيون من الشكوى في وسائل الإعلام وفي الشوارع وفي بيوتهم ومع أنفسهم وأمام الله في صلواتهم ودعائهم.
ميسان تكاد تكون أغنى بقاع الأرض موارد طبيعية، مع ذلك فإن هذه المحافظة هي الأفقر على الإطلاق في هذا البلد الضاجّ بالفقراء السائرين على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، وإذا كانت الحكومة ترفع شعار الاضطراب الأمني حجة أبدية على انعدام الإعمار وغياب الخدمات فإن هذه المحافظة الوادعة هادئة أمنياً، وكان يمكن لها أن تكون فردوساً بعُشر أموال النفط الذي يخرج من أرضها، لكنّ حكومة اللصوص لها إستراتيجية أخرى.
إستراتيجية الساسة النهابين تتمثل في استثمار هذه الفترة المضطربة محلياً وإقليمياً واستغلال صبر العراقيين وخوفهم من عودة حرب طائفية، من أجل نهب ما يمكنهم نهبه قبل أن تعصف بهم عواصف يتوقعونها، ويمكن أن تأتي لهم من كل اتجاه.
الخبر القادم من ناحية السلام مفرح، لأنه يؤشر ـ لأول مرة ـ على اتفاق مئات من العراقيين على فكرة واحدة، فكرة غير مسوّقة إعلامياً، ولم تدفعهم لها الحكومة المستعدة للدفع لتأبيد سلطان زعيمها، ولم يستفتوا في اعتصامهم رجل دينٍ، بل كان باعثهم الوحيد هو الغضب الذي لا بدّ لكل إنسان أن يستشعره حين يرى أموالاً قدّر اللهُ أن تكون له فسرقها لصوص حاكمون باسم الله.
يحكمنا أناس قساة القلوب، غليظو الأرواح، مع أن أغلبهم من مدّعي التقوى والعبادة، ونحن نعرف أن التواصل مع الغيب بالصلاة والذكر يرقق الحجر، فمن أية مادة قدّت هذه القلوب؟
أمام هذه القسوة التي تميّز ساسة العراق الذين لا يأبهون لأصوات ناقدة ناقمة مهما كانت قوية لا بدّ من وقفات جماعية كهذه، وإذا حدث أن أصابت سائر مدن العراق عدوى ناحية السلام الميسانية، خاصة وأن هذه المناطق ليست بأحسن حالاً من "السلام"، فستجد هذه الحكومة الفاشلة نفسها أمام لحظة حساب حقيقية على ما بددته من أموال الأجيال العراقية.
وأنا أقرأ خبر ناحية السلام مرّ عليّ خبر مشابه من تونس: قطع محتجون في قرية العمران التابعة لولاية سيدي بوزيد الطريق على السيارات الحكومية احتجاجا على سوء الخدمات، فاعتقلت الشرطة بعضهم، فلم يكن من أهالي القرية إلا أن هددوا بانتحار جماعيّ إذا لم تفرج السلطات عن أبنائهم ولم تتحسن الأوضاع الخدمية في قريتهم.
هذا "الإجماع" ما ينبغي أن يحدث عندنا أيضاً، فطوال سنوات لم يحتشد أناس في العراق على موقف واحد إلا تحت شعار عقائدي برع أولو الأمر في استثماره واستثمار قوى المؤمنين به على أكمل وجه. ولعلّ في الأنباء الآتية من ناحية السلام ما يجعلنا نأمل في إصغاء العراقيين إلى هموم الناس الأحياء لا إلى ما يطلبه الميتون.
ما يطلبه الميّتون
[post-views]
نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 05:26 م
جميع التعليقات 1
Intesar Alsudany
بل مايطلبه الاحياء الابطال فالوقوف بوجه الظلم الاكبر مجردين من السلاح , وسلاحهم هو اصرارهم ووطنيتهم واثبات وجودهم رغم الفقر والحرمان ,بدورنا نشد على ايديهم ومستعدون لمشاركتهم عصيانهم لحين الاستجابة وتحت شعار واحد (كفى للبعير اللذي يحمل ذهبا ,ياكل العاقول