بعيداً عن غاز الطائفية الخانق أصدقائي، دعوني أنقلكم لانثروبولوجيا التنشئة مع هذه الحكاية الشعبية:
يروى أن رجلاً كان يرفض تزويج ابنته رغم جمالها وكثرة خاطبيها، وفي يوم ما سأله احد الخطّاب عن اسباب رفضه، فأخبره الأب أن ابنته ماكرة ولا يستطيع اي رجل السيطرة عليها. وهنا استنكر الشاب كلام الأب وأصرّ على أن يكون هو الرجل المنتدب لمهمة السيطرة. وافق الأب على الزواج شرط أن يَعِدَه بضرب ابنته ثلاث مرات باليوم بعد كل وجبة طعام. استسهل الشاب هذا الطلب وتم الزواج، وسارت حياة الزوجين هانئة ولا ينغصها غير حفلات العقوبة التي لا يعرف سببها أي منهما.
وبعد أن ولد للزوجين ولدهما الأول، اقتربت الزوجة وطلبت من زوجها أن يسقط لها عقوبة النهار إكراماً للولد، فقبل الرجل بعد إلحاح منها. ثم كررت الطلب بعد ولادة الطفلين الثاني والثالث. وهكذا تمكنت من إسقاط جميع العقوبات، وفي يوم كان فيه مزاج الزوج رائقاً، اعدّت الزوجة طعاماً طيباً وأسدلت ستائر بيت الشعر واقتربت من زوجها وسألته بمكر:
كيف تتمكنون معشر الرجال من ركوب الخيل ولا تقعون من فوقها؟ فأجابها الرجل بأنهم يفعلون ذلك باستخدام السرج، لكن الزوجة ادعت أنها لا تستطيع أن تفهم، وطلبت منه السماح لها بان تضع السرج على ظهره وتركبه لتستوعب الموضوع. وافق الزوج ببراءة، وفعلاً وضعت السرج على ظهره، ثم سألته عن دور الحبل الذي يمرر من تحت ذيل الحصان لتثبيت السرج، ولما اخبرها عن دوره، ادعت عدم الفهم، فطلب منها ان تجلب احد اوتاد خيمتهم وتثبتها بمؤخرته كناية عن الذيل وتمرر من تحته الحبل لتفهم الموضوع. وهكذا تم للزوجة ما أرادت وركبت على ظهر زوجها واخذت تتجول به في أرجاء بيت الشعر الذي يسكنونه. لكن فرحتها لم تدم، فقد باغتهم والدها ودخل الخيمة وفاجأه مشهد الزوج المركوب والزوجة الراكبة، وعندها علم الأب بأن الزوج أسقط العقوبات اليومية فوبخه بشدة وطلب منه أن يطلق ابنته لأنه فشل بالسيطرة عليها.
يبدو على هذه الحكاية أنها طريفة وممتعة، لكنها في الحقيقة شريرة جداً، وهي -والكثيرات مثلها- مكتوبة من قبل ثقافة ذكورية غاية في الخبث، فتداولها، سابقاً على الأقل، في البيوت والمقاهي وجلسات السمر يمنحها قوة التنشئة الاجتماعية، وهنا تكمن خطورتها، فهي تنقل للنشء صورة مشوهة عن العلاقة الزوجية، وتظهر الزوجة بمظهر العدو الذي يتربص بالزوج ويكيد له المكائد، وهي، كحكاية، متخمة بالرموز والدلالات التي تشحن أذهان الذكور بكل ما من شأنه تشويه صورة الزوجة في المخيلة، فلدينا رمز الأب وشرط العقوبة ورمزية السرج، والوتد، والحصان، وركوب الزوجة، كل هذه الدلالات شريرة. والسؤال المهم هنا هو: هل ما تزال أمثال هذه الحكاية قيد التداول أم لا؟ وإلى أي درجة تساهم فيما نعاني منه من تشوه في العلاقة بين الذكر والأنثى؟
الزوج الحصان
[post-views]
نشر في: 27 إبريل, 2013: 09:01 م