المعادلة المزمنة في الفكر السياسي وحتى الفلسفي هي الدوران بين الأسود والأبيض والصح والخطأ وصولاً الى اشتراكية أم رأسمالية، مازالت متحكمة في أغلب الرؤى الاقتصادية والاجتماعية. كما نلاحظ ذلك مثلاً في لقاء مع اقتصاديين معنيين بالشأن العام والخاص وأكاديميين هو ضبابية الرؤية وهذا من طبيعة الأمور. في ظل تداعيات العملية السياسية اذ ان أطراف هذه العملية والتي بيدها مفاتيح الاقتصاد الرئيسية وهي المال العام (نفط ضرائب قطاع عام .... الخ) لا تملك رؤية اقتصادية محددة. وهذا شأن الإسلام السياسي لحد الآن في العالم العربي وبما أننا جزء من هذا الاتجاه فلا غرابة في ذلك. لأن حركات الإسلام السياسي لا تمثل عموماً قوى الإنتاج ولا تملك عناصره.
فالمسألة ليس في تحويل القطاع العام إلى القطاع الخاص وينتهي الموضوع لأن هذه العملية ليس أمرا إداريا بل هي عملية تحويل مفصلية. وهناك كثير من التجارب نجحت أو فشلت حسب تناسب توازنات القوى.
حيث أن العقبات السياسية والمؤسسية هي الحاكمة في عملية التحول فالحكومات تتأثر كل من خصائصها وسياساتها بدرجة قوية بمصالح المجموعات الاقتصادية والسياسية المحلية. وغير الراغبة في تعريض مصالحها للخطر بتطبيق سياسات مالية تدعم عملية التنمية على المدى البعيد (د . عبد الرزاق الفارس / الحكومة والفقراء والأنفاق العام ص 191). ويضيف أن الاتفاق التنموي كان دائماً أكثر عرضة للتخفيض في الحالات التي تمر فيها الايرادات العامة بأزمة.
لذلك فأي محاولة للتغيير بأي اتجاه لابد أن تكون من خلال قناة الحكومة المتأثرة بالقوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا ننسى في تجربتنا العراقية توضحت كثيراً هوية هذه القوى التي تدفع باتجاه لا تنموي على المدى البعيد. بل تعتبر العملية التغييرية صالحة أو غير صالحة في ضوء جدواها الاقتصادية لمصالحهم.
أما الذي يؤيد هذه العلاقة بين الحكومة ومؤسساتها من جهة وبين القطاع الخاص وعلاقاته السياسية والاجتماعية من جهة أخرى هو اتجاه عناصر السلطة للتزاوج والمصاهرة في عالم المال الخاص والعام ليصبح المال العام مجرد بقرة حلوب. كما أن القطاع الخاص العراقي الآن يغلب عليه الجانب التجاري الخارجي أي الاستيراد وليس التصدير ولذلك تكون مصالحة مرتبطة بمصادر خارجية وتشكل مأوى مناسبا للرساميل المحولة إلى هناك ولذلك تأخرت كثيراً مشاريع التنمية التقليدية والمستدامة على جميع الأصعدة من صناعة النفط والطاقة والصناعة التقليدية والزراعة والثروة الحيوانية.
ومظلة هذه العلامة بين قوى الداخل الاقتصادية والخارج هي العلاقة التي تأسست مع صندوق النقد الدولي الذي يحمي هذه التوجهات ولذلك نسمع بالسعي المحموم للانتماء إلى منظمة التجارة الدولية رديف النقد الدولي ووصفاته، وما دام اقتصادنا الريعي مهيمناً وهو المطلوب.
لذلك لا يمكن أن تكون لدينا بوصلة تحدد اتجاهاتنا التنموية في ظل هذه البنية التحتية للأفكار والضغوطات والتوازنات والعلاقات الا بالسعي التنموي الذي يؤسس لبنية تحتية كاملة يرتكز عليها الزراعي والصناعي العراقي ويفرض نفسه على الطفيليين في المؤسسات الرسمية وهذا حجر الأساس.
بوصلة لخطة اقتصادية
[post-views]
نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 05:26 م