تعجّب القاضي البريطاني رئيس محكمة "أولد بيلي" وهو يستمع منذ بضع سنوات الى "خطبة عصماء" من طيار مدني سوداني استدعته المحكمة من بلاده ليدلي بشهادته في قضية معروضة عليها. طلب القاضي من الشاهد أن يترك الكلام المنمق ويقول ما يعرفه بشأن القضية المطروحة.
الطيار السوداني أعرب في "خطبته" عن الشعور بالسعادة والفخر لأنه يقف أمام أعرق وأشهر محكمة في بريطانيا. بالتأكيد كان الطيار متأثراً بنشرات أخبار إذاعة لندن العربية التي كانت تتضمن أحياناً أخباراً عن قضايا تنظر فيها هذه المحكمة. بالنسبة للقاضي لم تكن أولد بيلي تعني له شيئاً مختلفاً عن سائر المحاكم البريطانية، لكن الطيار السوداني الذي سمع كثيراً باسم هذه المحكمة عبر إذاعة لندن كانت المحكمة تعني له الكثير.
أولد بيلي، هي محكمة الجنايات المركزية في وسط لندن، وأخذت اسمها من الشارع الذي بنيت عليه، ويرجع بناؤها الى القرن السابع عشر، وبدأ تاريخها في العام 1673 تحديداً. ويبدو أن هذا بالذات كان مصدر فخر الطيار السوداني الشاهد!
هذه المحكمة حكمت للتو على تاجر بريطاني بالسجن ثماني سنوات بتهمة النصب والاحتيال والإساءة الى سمعة بلاده. هو يتاجر بأجهزة مزيفة للكشف عن الأسلحة والمتفجرات والمخدرات من النوع الذي يستعمله جنودنا وشرطتنا في نقاط التفتيش التي تعجّ بها مدننا، وبالذات العاصمة بغداد. بل هو الذي ورّد الى دولتنا هذه الأجهزة المغشوشة في صفقة ربح فيها عشرات ملايين الدولارات، بل إن "خيرها" شمل 15 في الاقل من المسؤولين العراقيين الذين فتح لهم هذا التاجر الغشاش حسابات مالية بأسمائهم في بنوك أجنبية ووضع لكل واحد منهم حصته، كما ظهر في وقائع المحاكمة. والحصص كبيرة جداً، فالصفقة بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار (عن 6 آلاف جهاز بيعت إلينا بواقع عشرات آلاف الدولارات للجهاز الواحد فيما قيمته الحقيقية لا تصل الى أكثر من بضع عشرات الدولارات فقط).
تلك الصفقة، كما أوضحت وقائع المحاكمة في أولد بيلي، دفع عشرات آلاف العراقيين حياتهم ثمناً لها فضلاً عن المئة مليون دولار. بل لم يزل العراقيون يدفعون أرواحهم ودماءهم فداء لهذا التاجر الغشاش، واسمه (جيم مكورمك)، وشركائه من المسؤولين في دولتنا الذين لم يقل لهم أحد "على راسك ريشة" باستثناء واحد فقط تبث تورطه في القضية، هو المدير السابق لجهاز الكشف عن المتفجرات في وزارة الداخلية، اللواء جهاد الجابري الذي حكمت عليه احدى محاكمنا بالسجن مدة أقل من المدة التي حكمت بها أولد بيلي على التاجر البريطاني الغشاش.
الكارثة ان الجهاز المزيف لم يزل معتمداً في شوارع مدننا، وحاملوه من الجنود والشرطة يتسببون في زحامات مرورية خانقة يومياً بدعوى تفتيش السيارات واحدة واحدة بهذا الجهاز الذي يستعمل في بريطانيا للكشف عن كرات الغولف التي تضيع وسط حشيش الملاعب.
والآن بعد ان أثبتت أعرق وأشهر محكمة في بريطانيا ان هذا الجهاز لا يصلح للكشف عن الأسلحة والذخائر والمتفجرات، وجرّمت التاجر الذي غشّنا به وحكمت عليه بالسجن، أليست جريمة الاستمرار في خداع جنودنا وشرطنا ومدنيينا جميعاً باستعمال هذا الجهاز؟
ماذا يقول قضاؤنا وبرلماننا ولجان حقوق الإنسان الكثيرة؟
جميع التعليقات 4
Ahmad
هؤلاء الذين يحكموننا باسم الدين والديمقراطية . سراقين ومجرمين
محمد حسين
وماذا عن كلامك المنمق، وفرت لك المحكمة مناسبة لتحط من قدر الشرطة العراقية وهي الأخرى ضحية الإرهاب؟ وهل تدري أن السعودية هجورجيا أيضاً أسترتا الآلاف من الأجهزة المزيفة، وهل بإمكانك أن تتهكم على السعودية؟
احمد
تعليق محمد حسين يشبه مثل بالعامية يكول يباوع على زياك العالم وما يباوع على زياكه ..
kifah
محمد حسين لماذا انت مصر على اثبات انك احد الحثالات الذين يكمون الافواه ،،اكيد متاثر بالحثالات البعثيه لاتدع احد ان يبوح بجيفه السيد الرئيس