ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو إن أربعة من العروض المسرحية التي ستقدم بمناسبة الاحتفالات ببغداد عاصمة للثقافة العربية تحتوي على فقرات راقصة أولها عرض الافتتاح لدار الأزياء العراقية والثاني (اوبريت بغداد) كتب كلماته (محمد الغزي) وأخرجه (قاسم زيدان) وصمم رقصاته (محمد مؤيد)، الثالث لحيدر منعثر بعنوان (بغداد الأزل)، والرابع لعقيل مهدي، وشغلني تساؤل عن نوع الرقصات التي سنشاهدها في تلك الأعمال الثلاثة وعن الخلفية الثقافية والفنية لمصممي الرقصات والحركات وعن الدربة التي تلقاها الراقصون.
لاشك في ان يتصدى شاب عراقي لتصميم رقصات في عرض مسرحي استعراضي لمغامرة كبيرة بل لجرأة عظيمة وهو لم يتلق تعليماً نظرياً وعملياً لهذا النوع من الفن الحركي ولكن حبه له وتكريس نفسه لممارسته وربما لاطلاعه على نماذج مسجلة هو الذي دفعه لخوض الغمار، ويأمل ان يخرج منها ناجحاً ومبدعاً وسيدعونا ذلك لان نفخر بالمغامرة وان نكبر فيه روح التفاني وقوة الجذب التي جعلت مجموعة من الشبيبة- ذكوراً وإناثا يلتفون حوله ويتفانون في تحقيق طموحه وطموحاتهم.
وبهذه المناسبة نذكر بضرورة تثقيف أجساد المشاركين في مثل تلك العروض الاستعراضية وأولى خطوات التثقيف هي الاطلاع على منهج (لابان) للممثلين والراقصين والمنشور في كتاب أصدرته وزارة الثقافة المصرية خلال مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1998 لمؤلفه (جين نيولوف).
ولابان واحد من التجريبيين المتمردين في ألمانيا حيث عمل مدرساً ومخرجاً بمدرسة الرقص ببرلين عام 1936 وواجهت السلطة النازية تجديدات ومنعته من العمل ما يقرب من الأربعة عشر شهراً حتى استقال من وظيفته وفر هارباً الى باريس عام 1937 ثم انتقل الى انكلترا ليعمل مع (كيرت جوس) في مدرسته للرقص، وفي أواخر الخمسينات أسس أستوديو لفن الحركة بأحد ضواحي لندن.
يعتمد منهج (لابان) على تحليل دلالات تعبير جسد الإنسان حركياً استناداً الى الدوافع الداخلية والمشاعر وفي إطار علاقة الجسد بالفضاء وبأجساد الآخرين، ويرى (لابان) ان الحركة تكشف في شكلها وفي إيقاعها عن حالة ذهنية ذات قيمة وجمال. ويضيف (لابان) خصوصية الحركات في مختلف الصيغ الفنية كالرقص الصرف والرقص الإيمائي والرقص الاجتماعي.
ويخلو (الرقص الصرف) من القصة، والحركة في الرقص الصرف لا تكيف نفسها مع الشخصيات والأفعال ولا مع الفترات التاريخية ولا مع المواقف، في حين انه (الرقص الايمائي) يحتاج الى قصة والى أفعال والى شخصية والى مرجعية تاريخية، ويمثل (الرقص الاجتماعي) مرحلة تاريخية ووضعاً اجتماعياً معيناً وصبغة محلية.
يؤكد (لابان) ان الحركة على المسرح تستهدف استحضار ملامح الشخصية وتصويرها عبر حركات الإيماء.
في أدناه مقتطف من إحدى الصحف اليومية السويدية يصف فيه كاتبه تأثر ممثلين بطريقة (لابان):
حيث ان لدينا في السويد فرقة من الممثلين لديها القدرة على استخدام الحركة لوصف مشاجرات- البنادق والعواصف والبحر والتوتر بين الناس..
ولا تنم سرعة ليونة الممثلين عن أجساد مدربة جيداً وحسب، وانما هي حصيلة التقنية الدينامية للحركة، وهذا هو النظام الخاص برودولف لابان. فالطريقة التي يسيطر بها الممثلون على أجسادهم تساعدهم على تركيز انتباههم.
ولاحظت ان الشاب (محمد مؤيد) يجري مع أفراد مجموعته مثل تلك التمارين التي تعتمد تقنية مأخوذة عن طريقة لابان، ولو حصل هذا الشاب على حركة تنسخ له للدراسة في معهد أجنبي متخصص في فن الرقص لتمكن من ان يضيف أبعادا أخرى الى عمله وان يقدم أنواعا من الإبداع في مجال الرقص الإيمائي.
منهج (لابان) في حركة الممثلين والراقصين
[post-views]
نشر في: 29 إبريل, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...