حتى لو سعينا لإيجاد العذر والذريعة لهيئة الإعلام والاتصالات عن قرارها تعليق تراخيص العمل الممنوحة لعشر قنوات فضائية عراقية وعربية، وحاولنا تفهم الأسباب والدوافع التي حملتها على اتخاذه، فمن المشكوك فيه أن يؤدي هذا القرار الى تحقيق الغاية المعلنة منه، فضلاً عن أنه سيكون وكأنه لم يكن على أرض الواقع.
الهيئة بررت قرارها بان هذه القنوات قدّمت "تغطيات إخبارية غير مهنية" لأحداث الحويجة وتداعياتها، وان هذه التغطيات انطوت على "تحريض وتصعيد اقرب الى التضليل والتهويل والمبالغة منه الى الموضوعية لما حمله من دلالات واضحة بالدعوة الى الإخلال بالنظام المدني والعملية الديمقراطية، لاسيما ما رافقته من دعوة صريحة الى ممارسة أنشطة إجرامية انتقامية بمهاجمة القوات والأجهزة الأمنية، كما ولم تخل التغطيات الإعلامية للموضوع من ترويج واضح لجهات محظورة دستوريا وقانونيا بحكم ارتباطها الواضح مع التنظيمات الإرهابية، وارتكابها الجرائم بحق الشعب العراقي"، وهو ما عدته الهيئة "خرقاً واضحاً لمدونات السلوك المهني وقواعد البث والإرسال المنظمة لعمل وسائل الإعلام في العراق لاسيما وانه يصب في إطار التهديد المباشر لمبادئ الديمقراطية والتعايش السلمي".
لا مؤاخذه على هذا الكلام، لكنه يمثل نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فان هناك قنوات أخرى كانت لها في هذه المناسبة وفي مناسبات سابقة ممارسات مماثلة – ربما بلهجة أخف وبصورة غير مباشرة، وهي عموماً تعرف بأنها قنوات دينية – وهذا ما يجعلنا نرى الهيئة تكيل بمكيالين.
أما كيف سيكون القرار وكأنه لم يكن فراجع الى أن معظم القنوات المشمولة بالقرار تبث من خارج الحدود، والأخرى يمكن أن تنتقل الى الخارج هي أيضاً، ما يعني أن هذه القنوات ستواصل "التحريض" و"التصعيد" و"التضليل" و"المبالغة".
المشكلة أكبر وأشد وأعقد من أن يعالجها قرار كهذا، فالتحريض الطائفي والتصعيد والتضليل والمبالغة لا تقتصر ممارستها على القنوات العشر وغيرها، فثمة محطات إذاعة وصحف ومواقع الكترونية تقوم بالمهمة القذرة ذاتها، وتقع في الخطأ نفسه وسائل إعلام الدولة التي لم تتورع عن نشر صور الضحايا بما يتعارض مع قواعد السلوك الإعلامي المهني. بل أن نطاق التحريض والتصعيد والتضليل والمبالغة يمتد الى عدد غير قليل من الجوامع والمساجد والحسينيات، فضلاً عن أن الكثير من أعضاء مجلس النواب هم من أكبر مصادر التحريض الطائفي والتصعيد والتضليل والمبالغة، وهم جميعاً محصنون وكلامهم يُنقل الى الجمهور في بث حي ومباشر.
والمشكلة أوسع وأعمق من أن تُحصر في التغطيات الإخبارية للفضائيات والإذاعات والصحف والمواقع الالكترونية وخطب الجوامع والمساجد والحسينيات وتصريحات أعضاء البرلمان .. أنها تتعلق بجوهر العملية السياسية الجارية القائمة على أسس المحاصصة الطائفية، فهنا جهنم، وما الفضائيات والإذاعات والصحف والجوامع والمساجد والتصريحات البرلمانية المحرضة طائفياً إلا أبوابها.
ليس في وسع الإعلام أن يصنع جنة مادامت جهنم قائمة وأبوابها جميعاً مشرعة.
أين توجد جهنم؟
[post-views]
نشر في: 29 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
خليلو...
ما الذي خسرته الفضائيات من تعليق أو سحب تراخيص عملهاوهي أصلا ليست خاضعة لسلطان هيأةإعلام السلطان؟!لم تخسر شيئأً .ألتقارير الخبرية يمكن الحصول عليها مادامت الفضائيات ،ولله الحمد، تملك المال الذي به يشترى كل شيئ إلاَ الذمم الشريفةولكن هناك رابحون،يقيناً،وهو