يشكل التقدم في السن قضيةً تؤثّر فينا جميعاً في وقتٍ ما. فلايزال لدى معظمنا قدرٌ من الوقت من أجل التهيّؤ لبدايته. و في أثناء ذلك، سيكون علينا، على كل حال، التلاؤم مع تأثيراته على أحبائنا من المتقدمين في السن و الضغوط التي يتضمنها ذلك. و ( التأجيل La D
يشكل التقدم في السن قضيةً تؤثّر فينا جميعاً في وقتٍ ما. فلايزال لدى معظمنا قدرٌ من الوقت من أجل التهيّؤ لبدايته. و في أثناء ذلك، سيكون علينا، على كل حال، التلاؤم مع تأثيراته على أحبائنا من المتقدمين في السن و الضغوط التي يتضمنها ذلك. و ( التأجيل La Demora ) هذا فيلمٌ يحاول أن يستكشف التوترات في العلاقة بين أبٍ يشيخ و ابنته المخلصة، المختلة الأحوال، التي تخضع لتذبذبٍ قاسٍ جداً، و إنساني جداً مع هذا، كما جاء في العرض النقدي الذي كتبه عن الفيلم ليو نيكولَديس.
فالفيلم يؤكد سريعاً طبيعة سلوك ماريا المتّسم بخفة الحركة كأمٍ عزباء. فأبوها، أوغَستين، يحتاج للمساعدة في الاغتسال، حتى و هو يستطيع القيام ببعضٍ منه؛ و طفلاها الصغيران يتناحران بصخب على لا شيء بينما هي تحاول أن تجهزهما للمدرسة؛ أما طفلتها الأكبر منهماً، فقد بلغت السن التي تكون فيها واعيةً ذاتياً لعدم إعطاء أمها لها مصروف الذهاب إلى المدرسة في حينه. و كما هو شائع بين الكبار في السن، لا يزال أوغستين يتشبث بشكلٍ ما من الكفاية الذاتية و إنكار ما يتعلق بمدى الاختلال العقلي الذي لديه. و تُلفت ماريا انتباهه ذات يوم إلى أنه يضع ملعقة إضافية من السكّر في شايه، فيقول لها بعدم ارتياح : " أعرف، إنني أحبه هكذا ". و يمضي بعدها في اليوم نفسه، و هو من دون إشراف عليه، ليجول في البلدة كي يأتي ببعض الخبز فيجد نفسه مرتبكاً نوعاً ما و ضائعاً و هو يحاول أن يعرف المكان الذي اعتاد على العيش فيه.
و يأتي دخل ماريا من عمل حر بالأجرة في خياطة تفصيلات على أكياس قطنية. و تبدو هشاشة هذا الوضع واضحةً حين تسمع مصادفةً و هي تسلّم في المعمل شحنة منجزة من عملها. فبعض المستخدمين الدائمين يشكون من ظروف عملهم و يقترح أحدهم القيام بإضراب، و يوبخ آخر العمال المؤقتين لعدم إزعاج أنفسهم بالانضمام إلى أي نشاط نقابي و الشعور بالسعادة لفرصة الحصول على أجور مضاعفة تبعاً لذلك. فتثور ماريا، و تتذمر لهم من افتقارها إلى الأجرة في العطل، والتأمين الصحي، و سلامة العمل ــ حتى و هي تواصل العمل نفسه لمدة خمس سنين.
و يتأكد افتقار ماريا إلى الدعم أكثر حين تحاول أن تتقدم بطلب من أجل دار تمريض حكومية التمويل. فيقال لها إن الأماكن محجوزة اعتيادياً لأولئك الذين هم أسوأ منها، و مع آباء أكثر مرضاً و اضطراباً من ناحية السكن من أوغستين، الذي ينام على الأريكة بينما تتشاطر بقية الأسرة الغرفة الأخرى. و بالرغم من كل تراكض ماريا هنا و هناك، فإنها لا توصف بقدّيسة. فهي ذات مزاج محدود و يمكن حتى أن تكون فظّةً و عديمة الإحساس، و تتحدث عرَضاً عن أوغَستين و كأنه غير موجود، لا يمكنه أن يسمع أو يفهم : " ليس هناك منه غير المتاعب أو أن علينا أن نضع جرس الأبقار في عنقه ". و لنا أن نقرر ما إذا كانت الكلمات تمضي لحالها أو أنها تسبب الأذى. فهناك لقطات يبدو فيها وجه أوغستين العجوز يتجعد بانفعالات متنازعة. و هو على الأرجح لا يعرف نفسه تماماً كيف يشعر، و الرائع هنا أن الدور يقوم به ممثل للمرة الأولى، كبقية الممثلين، بهذه القدرة على الظهور بهذا الغموض.
و لقد أجمل المخرج رودريغو بلا Rodrigo Plá رأيه بالفيلم بقوله: إن الفيلم يستكشف شيئاً ما يدعى " الحدث العاطفي " لكن الفيلم ممتع و جدير بالمشاهدة حتى لأسباب أكثر من هذا.
و مع أن من الموجع حقاً رؤية رجل عجوز عذب الطباع مشوشا هكذا، فإن الأمل معقود بعدد من الناس العاديين الذين يشعرون بالسعادة لتقديم المساعدة، و الذين يتدبرون القيام بذلك بطريقة ذكية لا تشجعه على الاستمرار في وضعه المشوَّش و لا تُشعره بأنه عبء على غيره. و يمكن القول إن مزيج الفيلم من الجدّية القاسية و التفاعلات الإنسانية الأبسط يجعله إضافةً كبيرة للسينما في هذا البلد الأميركي اللاتيني، أورغوَي.
عن / SOUNDS and COLOURS