قبل ان تعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية لسعداء الحظ واصحاب البخت الكبير والقاعدة الشعبية الواسعة في شغل مقاعد مجالس المحافظات، صدرت تصريحات تشكك بالنتائج ، الامر الذي يرجح تكرار سيناريو العد والفرز يدويا لعدم قناعة القوائم ذات العيار الثقيل بالعد الالكتروني ، باشراف مراقبين محليين واخرين من بعثة الامم المتحدة .
العد اليدوي اجراء عراقي يعتمد لغرض ترطيب الخواطر وارضاء الكبار احتراما لمشاعرهم السياسية ومزاجيتهم الوطنية. وبعد اعلان نتائج الانتخابات التشريعية السابقة ، تخلت المفوضية عن الاستعانة بالتقنيات الحديثة ولجأت الى اعادة احصاء اصوات الناخبين يدويا ، وكانت تلك الخطة نذير شؤم ، مهدت لاندلاع ازمة سياسية بين الاطراف المشاركة في الحكومة مازالت قائمة حتى الان من دون وجود بصيص امل باعتراف الجميع بالقول الشائع "غلطان بالنمرة " لتجاوز الخلافات وحسم الملفات العالقة والشائكة .
القوى السياسية، وخاصة الاحزاب الدينية، تفرض عليها افكارها ومتبنياتها بان تكون صاحبة السبق في التعامل الايجابي مع "الغلطان بالنمرة " بروح التسامح وقبول اعتذار الاخر ، ولكن المستجدات على الواقع تكشف عن مواقف متشددة واصرار على توسيع مساحة الخلاف السياسي ليصل الى فئات اجتماعية قد يدفعها الانفعال لارتكاب حماقات تنذر باشعال فتيل ازمات ومشاكل مستعصية واندلاع مواجهات مسلحة تهدد السلم الاهلي ، وحينذاك لا ينفع الندم ، فيهرب مشعلو الحرائق الى دول الجوار ، ومن عواصمها يديرون المعركة من الخارج كما فعل اجدادهم القدماء بتحشيد الجيوش وتوفير الطعام للجنود والعلف لخيولهم ، بانتظار العودة بالغنائم النفيسة.
الواقع العراقي يشير بشكل لا يقبل الشك الى وجود خلل يتعلق بتنظيم الحياة السياسية في البلاد، وهو مشخص من جميع الاطراف ، لكنها تبدو عاجزة عن معالجته ، فليس هناك مشتركات تكون قاعدة انطلاق لقبول من يعلن انه "غلطان بالنمرة "، والاعلان وحده يعبر عن اعتذار يمهد لترسيخ وتعزيز الثقة ثم التوصل الى اتفاق نهائي ، وهذه المعادلة الطبيعية الغائبة عن القادة السياسيين جميعهم بلا استثناء ، جعلت العراقي يعيش على سطح من الصفيح الساخن، ولم تسعفه الممارسة الديمقراطية في المشاركة في الانتخابات لان نتائجها على الدوام تتعرض للتشكيك وتحيط بها الشبهات ، وتخضع للعد والفرز اليدوي لان احدى القوائم تتعامل مع النتائج بطريقة "السهو والخطأ مرجوع للطرفين بين البائع والمشتري " طبقا لاعراف السوق ، وتستخدم "غلطان بالنمرة " كمحاولة لتحقيق مكاسب بالطرق السلمية والاليات الديمقراطية .
الشركاء السياسيون في هذه الايام وفي اجواء احتدام الازمة لم يصدر عن احدهم تصريح يدعو للتهدئة ومراجعة المواقف الا باستثناءات قليلة وخجولة ، والوضع العراقي اليوم يتطلب من الجميع ان يقول انه "غلطان بالنمرة " لينال دعم العراقيين ويضمن المزيد من الاصوات في الانتخابات التشريعية شريطة ان لا تخضع نتائجها للعد والفرز اليدوي .
غلطان بالنمرة
[post-views]
نشر في: 1 مايو, 2013: 09:01 م