اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الكلمة المقدسة الأولى

الكلمة المقدسة الأولى

نشر في: 1 مايو, 2013: 09:01 م

هل يعقل أن هناك من يعتقدون بأنهم سَحَرَة، وأنهم قادرون على فعل المستحيل؟ بالتأكيد أن هناك من يفعلون، لكن النكتة أنهم يَردّون قوتهم إلى الكلمة التي يعتقدون بأنها قادرة على فعل الأعاجيب، وأن هنالك قوى خارقة تكمن في كلمات معينة أو في تشكيلة خاصة من الكلمات، وأن كل ما على الإنسان أن يعرفه ليكون خارقاً، هو معرفة هذه الكلمات ونطقها عند الحاجة.
"في البدء كانت الكلمة".. هذا نص مقدس، وهو يكشف، أيضاً، عن إيمان راسخ بما للكلمة من تأثير، بل أن هذا النص يذهب لأبعد من ذلك عندما يقول، بصورة غير مباشرة، أن الوجود كله انبثق من الكلمة التي هي كلمة الله: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون". إذن لماذا هذا الاعتقاد؟ من أين جاءت عقيدة أن الكلمة هي رحم الوجود وعصاه السحرية الخلاقة وقانونه القادر على خرق كل القوانين؟
أعتقد أن الجواب يعود بنا إلى الوعي، "وعي الإنسان الأول" ذاك الذي انبثقت فيه أولى الأفكار، أي قيلت في مخيلته أولى الكلمات. فالوعي كلام، والفكرة كلمة، وقبل أن ينطق الإنسان كلماته الأولى، كان قد فكر بها لزمن طويل، آلاف السنين فصلت بين تفكير الإنسان، وبين تحويله أفكاره إلى جمل وكلمات منطوقة. وخلال هذه الآلاف من السنين كان يفكر بالأشياء، ويرسم صورة معرفية عنها، كان "يخلق" المفاهيم. يصوغ ، مثلاً، مفهوم الحيوان، أو أي مفهوم شامل يقصد به جميع أنواع الحيوانات بضمنها تلك التي يأكلها فيحتاج لمطاردتها، والتي تأكله، فيحتاج إلى الهرب من مطاردتها. وخلال إيجاده لهذه المفاهيم كان قد مارس عملية إيجاد من العدم. فالمفاهيم الشاملة لموجودات متعددة ومختلفة، لا وجود لمصاديق لها على الأرض، أي أنها اشياء أوجدها الإنسان، فعندما نقول: (شجرة) فاننا نقصد شجرة التفاح كما نقصد شجرة الجوز بالضبط، لكن على الأرض توجد الشجرتان منفصلتان عن بعضهما، وعملية جمعهما بمفهوم واحد تمت في وعي الإنسان ومن خلال الكلمة.
فهل يمكن أن يكون الإنسان هو أول من استخدم كلمة "كن"؟ وأن "البدء" الذي سبحت فيه الكلمة المقدسة الأولى، هو وعي الإنسان، الذي شهد تفاصيل عملية الخلق؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج لما هو أبعد من فضاء مقال يومي ضيق، لكن علينا أن نؤمن بأن المكان الذي تكون فيه الكلمة قادرة على الخلق أو التأثير، هو خيال الساحر فقط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram