هل يعقل أن هناك من يعتقدون بأنهم سَحَرَة، وأنهم قادرون على فعل المستحيل؟ بالتأكيد أن هناك من يفعلون، لكن النكتة أنهم يَردّون قوتهم إلى الكلمة التي يعتقدون بأنها قادرة على فعل الأعاجيب، وأن هنالك قوى خارقة تكمن في كلمات معينة أو في تشكيلة خاصة من الكلمات، وأن كل ما على الإنسان أن يعرفه ليكون خارقاً، هو معرفة هذه الكلمات ونطقها عند الحاجة.
"في البدء كانت الكلمة".. هذا نص مقدس، وهو يكشف، أيضاً، عن إيمان راسخ بما للكلمة من تأثير، بل أن هذا النص يذهب لأبعد من ذلك عندما يقول، بصورة غير مباشرة، أن الوجود كله انبثق من الكلمة التي هي كلمة الله: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون". إذن لماذا هذا الاعتقاد؟ من أين جاءت عقيدة أن الكلمة هي رحم الوجود وعصاه السحرية الخلاقة وقانونه القادر على خرق كل القوانين؟
أعتقد أن الجواب يعود بنا إلى الوعي، "وعي الإنسان الأول" ذاك الذي انبثقت فيه أولى الأفكار، أي قيلت في مخيلته أولى الكلمات. فالوعي كلام، والفكرة كلمة، وقبل أن ينطق الإنسان كلماته الأولى، كان قد فكر بها لزمن طويل، آلاف السنين فصلت بين تفكير الإنسان، وبين تحويله أفكاره إلى جمل وكلمات منطوقة. وخلال هذه الآلاف من السنين كان يفكر بالأشياء، ويرسم صورة معرفية عنها، كان "يخلق" المفاهيم. يصوغ ، مثلاً، مفهوم الحيوان، أو أي مفهوم شامل يقصد به جميع أنواع الحيوانات بضمنها تلك التي يأكلها فيحتاج لمطاردتها، والتي تأكله، فيحتاج إلى الهرب من مطاردتها. وخلال إيجاده لهذه المفاهيم كان قد مارس عملية إيجاد من العدم. فالمفاهيم الشاملة لموجودات متعددة ومختلفة، لا وجود لمصاديق لها على الأرض، أي أنها اشياء أوجدها الإنسان، فعندما نقول: (شجرة) فاننا نقصد شجرة التفاح كما نقصد شجرة الجوز بالضبط، لكن على الأرض توجد الشجرتان منفصلتان عن بعضهما، وعملية جمعهما بمفهوم واحد تمت في وعي الإنسان ومن خلال الكلمة.
فهل يمكن أن يكون الإنسان هو أول من استخدم كلمة "كن"؟ وأن "البدء" الذي سبحت فيه الكلمة المقدسة الأولى، هو وعي الإنسان، الذي شهد تفاصيل عملية الخلق؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج لما هو أبعد من فضاء مقال يومي ضيق، لكن علينا أن نؤمن بأن المكان الذي تكون فيه الكلمة قادرة على الخلق أو التأثير، هو خيال الساحر فقط.
الكلمة المقدسة الأولى
[post-views]
نشر في: 1 مايو, 2013: 09:01 م