على العكس من هذا الجفاف المميت الذي لفّها في السنين الأخيرة، كانت الأغنية العراقية في السبعينات مؤشراً على حياة الوطن والناس. لم تكن في تلك الحقبة حروب ولا حصار ولا عواصف طائفية. كانت محال بيع الأشرطة الغنائية (التسجيلات) تنتشر في كل مكان وتشهد إقبالا كبيرا من الناس على شراء الأغاني المسجلة. في مدينة الثورة وحدها كانت هناك عشرات من تلك المحال التي تحول بعض أصحابها إلى منتجي أغان شعبية. العراقيون كانوا يحتاجون للأغاني كحاجتهم للخبز.
حتى المدارس في العقد السبعيني كانت تغني. وكانت هناك مسابقات غنائية سنوية تشترك فيها معظم المحافظات، أو كلها. كان يطلق عليها في وقتها اسم "مسابقات الأوبريتات المدرسية". يندر أن يفوز فيها غير الأوبريت الذي يكتبه الشاعر زامل سعيد فتاح ويلحنه الموسيقار طالب القره غولي. كانت تلك الأوبريتات تظاهرات للفرح والحياة.
بعض من أغاني تلك المسابقات ودع عالم الطفولة على صغر، ليصبح من بين أغاني الكبار. من بينها أغنية "ماهو منّه يا شعبنه". الأغنية كانت جزءا من أوبريت كتبه زامل ولحنه طالب. لم تشتهر الأغنية بين الناس في وقتها لأنها عرضت مرة واحدة ضمن نشاطات التلفزيون التربوي، لكن شهرتها جاءت بعد أن استمع إليها أحمد حسن البكر صدفة يوم حضر إلى دار الإذاعة ليلقي خطابا أو كلمة في أيام تأميم النفط، بحسب ما قاله لي زامل. يقال انه أصدر أمرا بتصوير الأغنية وبثها من خلال الإذاعة والتلفزيون بعد أن أمر بصرف مكافأة لشاعرها. كانت المكافأة 50 دينارا.
لم تُكتب الأغنية، في وقتها، لأغراض سياسية أو حربية بل كتبت خصيصا للأطفال. إنها من الأغاني التي أحبها الناس فعلا وطربوا لها ورقصوا عليها. تذكرتها اليوم بعد أن وقعت عيني بالصدفة عليها في موقع اليوتيوب وقد منتجها احد العراقيين "بذكاء" بلقطات من تظاهرات ساحة التحرير التي قمعتها الحكومة بوحشية. استوقفني فيها مقطع:
احنه مرة نعيش .. مرة نموت
مرة وحدة بكل عمرنه .. يا شعبنه
أنها دعوة للتفكير بالعيش بسعادة. قريبة جدا من قول الانكليز حين يرفضون الهم والغم بقولهم "الحياة قصيرة" . حقا إنها قصيرة والإنسان يعيشها مرة واحدة. لكن هل عشناها ونعيشها اليوم، نحن العراقيين، كما عاشتها الشعوب التي تمتلك اقل من نعم وثروات بلادنا ! لو كنا كذلك لغنينا وملأنا الشوارع فرحا.
تذكرت أيام ربيع ساحة التحرير وفرحتي بالمتظاهرين فغنيت معهم:
لا حلال عليه مي دجلة وفرات
الما يصون ارغيفنه البيه الحياة
إحنه مرّة نعيش
[post-views]
نشر في: 4 مايو, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
علي الساعدي
هذه واحدة من اغاني الحرب التي سميت (الاغاني الوطنية)والتي تذكرنا بالحقبة المرعبة ولاتقل ان هذه الاغنية وطنية فعلا وكتبت قبل الحرب..انها من جني(هي ياسعد يا جدنه)و(نشيدك في الزحف الله اكبر)والخ ..انا اكره تلاوة القران بصوت القارئ عامر الكاظمي لانها تذكرني ب