اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الخراب الوطني الجميل!

الخراب الوطني الجميل!

نشر في: 4 مايو, 2013: 09:01 م

"بناء على تحسين منظر البصرة ونواحيها فإن الحاكم العسكري يسأل جميع الملاكين الذين لهم ملك واقع على الأنهر المهمة أن يغرسوا على حافة الأنهار شجرة الدفلى وكل شجر مورد والشجر المثمر والأوراد".
 الميجور E.S مليك. حاكم البصرة العسكري.
هذا نص البيان الذي أصدره حاكم البصرة العسكري البريطاني بعد احتلالها عام ١٩١٤، أي قبل تأسيس الدولة العراقية في 1921، ويبدو جلياً أن لغة البيان لم تكن فصيحة جدا، أو أن الترجمة لم تكن متقنة لكن الواضح منه أن الطلب كان في غاية الأهمية وعلى درجة كبيرة من التحضر والمدنية. هو يعلم جيدا أن المزروع في بساتين المدينة من الشجر المثمر كثير وكثير جدا لكنه يطلب من الملّاكين زراعة اشجار الدُّفلى وغير شجر مورد والشجر المثمر والأوراد على ضفاف الأنهار المهمة، وهو يقصد بكل تأكيد أنهاراً مثل العشار والخندق والخورة والسراجي وسواها.
والله خجلت من نفسي وأنا أقرأ طلب الحاكم البريطاني (المستعمر،الكافر) بينما أنظر لحال الأنهار هذه اليوم وأعاين أطنان النفايات وهي ترمى فيها.
هناك سؤال  في غاية الأهمية والخطورة ربما سأله أكثر من عراقي حر، وأحجم عنه أكثر من عراقي حر آخر أيضاً. سؤال يقول ماذا لو أن البريطانيين لم يخرجوا حتى اللحظة هذه من العراق، أو تم تنصيب ملك شكلي، حكومة شكلية على عرش العراق وظلت إدارة البلاد بيد المستعمر الكافر، مع الادارة تلك؟ هل كان حالنا سيتغير نحو الأحسن أم نحن اليوم أفضل بكثير، بعد تجربتنا مع الحكم الوطني، بعد الثورات (العظيمة) التي قادها العسكر ومعه الكثير من الوطنيين والأحرار؟
أنا لا أظن بوجود إجابة منصفة جريئة، ذلك لأن طبيعة النفس العراقية غير قادرة على القول بالمعروف والإنصا وعلى قول الحق. سأقول: نعم، الحرية شرط من شروط الحياة والحكم الوطني لا بدَّ منه، لكن هل كانت حكومة البعثيين وطنية؟ وهل حكومتنا الحالية وطنية أيضاً؟ وهل انتفعنا من حكم الأخ الأكبر وابن العم "حزام الظهر" والضابط الشريف ورجل الدين العفيف وشيخ العشيرة الشهم ؟ أسئلة كريهة والإجابة عليها قذرة بكل تأكيد! لكن اللحظة الوطنية الكبرى قائمة على أساس هش من النفاق والكذب والخداع.
رفض العامة في المدن العراقية الحاكم الانجليزي المباشر، وخرجت العشائر لتطيح به، وقامت الثورات العربية الكبرى لتحرر الوطن وتؤسس الحكم الملكي الذي اطيح به وصولا إلى حكومة صدام حسين، في مسيرة هي الأطول في التاريخ، أجمع فيها العراقيون على أهمية الحكم الوطني الذي لن تقوم قائمة العراق إلا من خلاله. وعلى طول الخط وباسم الحرية والوطنية ومحاربة الاستعمار والصهيونية وسواها، كان الخراب مَعْلما شاهدا على أننا لم نحسن حكم انفسنا بأنفسنا. وإذا أردنا أن نختصر صورة الحاكم لدينا فهو القاتل واللص وهناك الكثير من المشتركات بين هذين الصفتين.
ولنتحدث عن البصرة. فمنذ أن تأسس الحكم الوطني مطلع العشرينات من القرن الماضي حتى سقوط نظام صدام حسين ظل المتصرف والمحافظ والقائمقام ومدير الناحية حتى، يؤتى بهم من غير أهل البصرة، فهم إما من راوة وعانة وهيت والفلوجة والموصل وخانقين والأعظمية وغيرها من المدن. وكان بينهم من أحسن الخدمة للمدينة وكثير منهم فاسدون ورجال امن وساسة عنصريون وقتلة أيضاً وبعد العام 2003 ذهب هؤلاء وانتهى حكم (الغريب) وجاء الأخ وابن العم المحلي، الشيعي سليل المرجعيات الدينية، المشاء في الأربعين وزائر العتبات، الذي لا تخمد ناره في العاشوراء وتقصده الناس من كل فج عميق، فعمت الأفراح وعلا التكبير وطابت المناسبات وأعلنوا نهاية الشر وبداية الخير، لكن وبعد سنين عشرة عمَّ الشَّرُ ولم يبدأ الخير.
  ولأن البداية كانت حسنة مع طلب الحاكم العسكري البريطاني الميجور E.S مليك، بزراعة (الدُّفلى وكل شجر مورد) فقد كان حقيقا بنا ان نختم بها لنقول له وقد بليت عظامه ودرس قبره: يا سيد مليك، حكامنا المحليون والوطنيون اليوم، اشقاؤنا وأبناء عمومتنا وسليلو مرجعياتنا، لم يزرعوا الدُّفلى على ضفاف أنهارنا إنما ردموا بالإطارات التالفة وقناني المياه البلاستيكية والفضلات أنهارنا كلها. حولوها إلى مكبات للنفايات، وأدخلوها على شبكات الصرف الصحي ولم يكتفوا بذلك بل عمدوا إلى اقتلاع أعز أشجارنا المثمرة (النخلة). فنحن اليوم نستورد التمر من إيران والسعودية والكويت وتونس، أما الشوارع والطرقات والمباني الجميلة التي بنيت بأشرافكم فقد أزيلت وحل محلها خرابنا الوطني الجميل الذي ننعم فيه اليوم، ونزيدكم من شعرنا بيتا ونقول: نعم، كنتم قتلة ولصوص نفط، نعلم ذلك، لكنكم مع الأسف كنتم غير محترفين وجهلة في القتل والسرقة، تعالوا وانظروا كيف ابتكر حكامنا الوطنيون (المحليون) طرقا جديدة للقتل والسرقة وما بينهما، سامحكم الله، كنتم مغفلين جداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram