لا أحد يستطيع أن يعرف الكيفية التي بدأ فيها الوعي البشري يتميز عن الوعي الحيواني، وما هي الميزة الأهم في هذا التميّز. الحيوانات تعي محيطها -بالحد الأدنى المتعلق بحاجاتها- كما نعيه نحن، وفي يوم ما كانت درجة وعي المحيط متساوية بين البشر والحيوانات، هذا ما يؤكده تطور الوعي البشري عبر تأريخه الطويل، والذي يعني بان هذا الوعي انطلق من مرحلة أدنى.
إذن في الفترة التي كان فيها وعي البشر قد بدأ تواً يغادر منطقة التساوي مع الوعي الحيواني، كان قد صاغ، أو خلق، أولى إبداعاته في مجال التقنيات المستخدمة في الوعي، وأحسب أن أهم هذه التقنيات هي تلك المتعلقة بكيفية نقل تجارب الوعي بين "القطيع" البشري، أو ربما العائلة البشرية، في حال كانت العائلة قد ظهرت في ذلك الوقت. كيف كان البشر ينقلون المعارف بينهم، بشكل أفقي بين المتجايلين، وبشكل عمودي، عبر الأجيال.
إذن كيف انتقل البشر من الآليات التي تستخدمها الحيوانات في نقل تجارب الوعي فيما بينها، إلى ابتكار آليات جديدة خاصَّة بهم؟ لكن قبل ذلك، ما هي الآلية التي تستخدمها الحيوانات في نقل تجاربها عبر الأجيال المتلاحقة؟ أعتقد أن مفهوم الغريزة -الذي يعاني من تشويش كبير- هو ما يختصر هذه الآلية، وكما أفهم فان الغريزة هي السبيل الذي تنقل من خلاله الحيوانات تجاربها الحياتية في إطار ما نسميه بـ(الوعي). فالوليد الحيواني، يعرف كيف يلبي الحد الأدنى من حاجاته الحياتية منذ ساعات ولادته الأولى، ما يعني انه يكتسب أساسيات وعيه بالوراثة. فهل يعني ذلك أن البشر كانوا يستخدمون هذه الآلية وتركوها؟ أعتقد أن الجواب هو نعم. لكن كيف؟
يولد الطفل البشري وهو يعرف كيف يتعامل مع ثدي أمه، والثدي، آلة لإنتاج الحليب، طيب لماذا يولد هذا الطفل وهو لا يعرف كيف يتعامل مع "الحنفية" التي هي آلة لتسريب الماء؟ إذن سلوك التعامل مع الثدي مستند لمعرفة منقولة عن طريق الوراثة. وهنا تكمن مشكلة طالما أتساءل عنها، دائماً أقول؛ هل كفّ الإنسان عن اعتماد هذه الآلية؟ ولماذا كفّ، أم أنه لم يزل يعتمدها؟
وتكمن أهمية هذا التساؤل في أنه يبحث موضوعاً حاولت طرحه سابقاً، ويتعلق بالمورثات الجينية وهل أنها خريطة لرسم وتحديد أبعاد التكوين الجسدي، أم المعرفي ايضاً؟ وفي حال كانت تنقل ما هو ابعد من الجسدي فلماذا تركها البشر؟ لماذا كف البشر عن توريث المعرفة؟
ثدي الأم
[post-views]
نشر في: 4 مايو, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 3
علي حسين الحمداني
خلق الله الانسان وكرمه بالعقل الذي ادرك به الاشياء والموجودات ولم يخلقه حيوانا ناطقا كما يرى دارون
سوسن أحمد
أتصور أن تطور الوعي لدى الإنسان لينفصل عن الوعي الحيواني المعني بالغريزة ...جاء نتيجة تراكم معرفي فرضته احتياجات أخرى للإنسان بعيدة عن الغريزة ...وربما لو ارتبطت بها فهي من باب المشاركة في تطويرها ...هنا استخدام العقل الذي ميز به الإنسان عن الحيوان ( ولو
huseen rhman
lراقي في كل الافكار علما فيها نوعا من الصعوبة في استقبال المتلقي لهذه المقالات اخي سعدون هذا ولك الامر مع التقدير