TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > استيراد عقول

استيراد عقول

نشر في: 5 مايو, 2013: 09:01 م

لا غرابة في استعانة دول بخبرات أجنبية ومستشارين لتنفيذ وتطبيق مشاريعها في المجالات كافة لتحقيق نهضة تنموية، وخير مثال على ذلك ما جرى في دولة الإمارات. وليس ثمة اعتراض على هذا التوجه مادام يخدم المصالح الوطنية، ولكن البعض ينظر اليه  باستهجان لان "استيراد العقول"  يرسخ حقيقة تغييب العقل المحلي وإلغاء دوره بوصفه ثروة وطنية   بالامكان استثمارها لحل  المشاكل المستعصية وخاصة السياسية منها، ومن يتبنى هذا الرأي  لم يقرأ الواقع العراقي بشكل صحيح ، ولم يتوصل بعد الى ادراك حقيقة ان المشكلة المحلية  ترتبط بعقول مسؤولين وقادة سياسيين.
يقال ان سلوك  الشخص  هو انعكاس طبيعي لعقله، فصاحب العقل المنفتح يمتلك الرغبة في الحوار مع الاخر  ولديه استعداد التفاوض مع المعارضين والخصوم ، وهو اقرب لتسوية خلافاته مع هؤلاء  انطلاقا من ايمانه بان الخلاف لا يخدم مصالح الطرفين ، اما صاحب العقل المنغلق  فغالبا ما يلجأ الى التصعيد، ولطالما لجأ الى السلاح في التعامل مع خصومه وحتى شركائه، وقبل ان يخوض المنازلة المرتقبة اعلن ان نظريته هي الوحيدة الصالحة لقيادة المجتمع، ولكن الى منحدر خطير من وجهة نظر معارضيه بعد أن اتهم الآخرين بانهم كفرة  وأصحاب اجندات إقليمية.
 في الصراع الازلي بين العقول المنفتحة والمنغلقة برزت الحاجة الى استيراد عقول خارجية ولامانع من ان تكون مستخدمة ومستوردة  بطريقة "البالات" لترمم الخراب الداخلي، وعندما يتوصل القادة السياسيون في العراق الى حل جزء من مشكلة مستعصية وتسوية  بعض الملفات الشائكة وبطريقة اعتماد الدستور  بحسب ما يعلن تصدر تصريحات من اطراف اخرى تشير الى تدخل خارجي ودور اميركي  في التوصل الى حل، الأمر الذي يعني بأن العقل المستورد  تغلب على المحلي في  احتواء ازمة استمرت سنوات، واعطت دليلا واضحا على ان العقول المنغلقة هي السبب المباشر في تناسل الأزمات الراهنة.
هل يحتاج العراق اليوم الى عقول مستوردة لحل أزماته؟ الإجابة على هذا السؤال تبدو صعبة جدا فواقع الحياة السياسية يشير الى وجود صراع على السلطة، على الرغم من وجود نص في الدستور يؤكد تدولها سلميا. ويوم أعلنت القوى العراقية مشاركتها في العملية السياسية  بات عليها احترام الدستور لانه المرجعية الوحيدة المتاحة لتنظيم الحياة السياسية، واي حديث خارج هذا الاطار ينطلق من عقل منغلق. ومهما قيل عن الدستور العراقي بأنه مازال يحتفظ بالغام وقنابل موقوتة، تقع على أصحاب العقول المنفتحة مهمة تعديل مواده، ثم الانتقال الى مرحلة جديدة تؤسس لحالة من الاستقرار السياسي، لان الشعب العراقي بعد ان بعث برسالته في انتخابات مجالس المحافظات قدم دليله الواضح على التمييز بين العقول المنفتحة والمنغلقة. والقوى السياسية مطالبة اليوم بالكشف عن نوعية عقولها، وعشر سنوات كافية لمعرفة الماركة المسجلة للعقل السياسي ليتولى مسؤولية ترميم الخراب لكي تنتفي الحاجة لاستيراد عقول من الخارج  تحمل خزينة الدولة أعباء إضافية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو احمد العراقي

    نحن لسنا بحاجة الى استيراد عقول فالعقل معطى حيادي مستعد ان يبرهن لك على الامور التي تريدها منه ولهذا كان خادما جيدا للفلاسفة والسوفسطائيين عبر الزمان وما لم نعرف حدود العقل ونقفه عند حدهسنضيع في براهين تؤكد وبراهين تنفي اما نحن فيجب ان نحدد ما نريد ارادة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram