يبقى دليل النظم من أكثر الأدلة التي ترهق الوعي الإلحادي الذي يسعى لإثبات عدم وجود الخالق. فتكامل أجهزة الكائن الحي في إطار منحه أفضل فرصة للبقاء، هو انتظام متكامل يصعب إقناع الآخرين بفكرة نشوئه عن المصادفة. والتكامل أمر تجده في أغلب أنحاء الوجود، فهناك انتظام وتكامل في كل شيء، ومثل هذا الانتظام المتكرر كيف يحدث نتيجة لعشوائية عمياء؟
لكن هناك من التف على هذه الصعوبة من خلال تفكيكه بين الانتظام وبين وجود الخالق، واعتبر أن انتظام الوجود أمر مختلف عن وجود خالق حكيم له. فليست هناك علاقة حتمية بين الموضوعين. وجاءت بعد ذلك فكرة أن الطبيعة بإمكانها أن تستقل بخلق كائنات متكاملة، وهكذا لم يزل النقاش مستمراً في هذا الإطار.
ما أريد الوصول إليه هو موضوع تم طرحه في "فيسبوك" على هامش إحدى المقالات، وهو موضوع وجود وعدم وجود تصور آخر للكون يكون خاصاً بالحيوانات وناتجاً عن وعيها. ثم وصل النقاش لبحث موضوع وجود وعدم وجود وعي مختلف عن الوعي البشري، وهل أن الوعي يقتصر على الكائنات الحية، أم يشمل كل موجودات الطبيعة، ومدى أهمية الوعي المختلف في حال وجوده، وهل يمكن التواصل معه؟
وهنا تكمن النقطة التي أريد إثارتها، فنحن لا نستطيع أن نتصور أن يكون للجمادات وعي خاص بها، لأننا لا نعرف إلا طريقة وعي الكائنات الحية، ومن ثم فلا نعترف بوجود طرق أخرى يمكن من خلالها التواصل مع البيئة. لكن إذا كان الوعي هو عملية الإحساس بالمحيط وإدراكه في إطار الانسجام معه، واستثمار هذا الانسجام سعيا وراء البقاء. فلماذا لا نستطيع ان نتصور وجود طرق أخرى للإحساس بالمحيط والانسجام معه غير الطريقة الحيوانية، مستدلين على ذلك بنفس موضوع التكامل والانسجام، إذ انسجام الموجودات قد يكون تجلياً عن سعيها نحو تحقيق مستوى أكمل من مستويات البقاء؟
وتأسيساَ على هذه النتيجة، لماذا يصعب علينا أن نتصور أن الموجودات غير الحيوانية تمتلك طرقاً خاصة للتواصل مع محيطها تحقيقا للتكيف معه، ومن ثم تكون ظاهرة الانتظام أسلوباً في التكيف تنتهجه الطبيعة صاحبة العمر الطويل؟ بمعنى أن هذا الانتظام ناشئ عن وعي مختلف، وعي لا يمكن لنا أن نتخيله ونفهم أبعاده، لكن في النهاية، وإذا قلنا بأن الطبيعة واعية، ألا نكون قد كررنا مقولة الخالق الحكيم؟