عبدالله السكوتي يحكى أن مخرجا مسرحياً في خمسينيات القرن الماضي،من اهل بغداد ، كان يسعى جاهدا لاتمام تشكيلة ممثلي مسرحياته ، ودأب يتصل بالممثلين المصريين ليستعين بهم على تمثيل هذه المسرحيات ، ونظرا للأموال الطائلة التي كان يدفعها جراء سفر هؤلاء الممثلين رأى ان يستعين (بكومبارس)
عراقيين من الناس العاديين خصوصا في المشاهد غير المهمة والتي لا تتطلب جهدا كبيرا من قبلهم. وكانت مسرحيته (يوليوس قيصر) التي احتاج فيها الى مجموعة يؤدون مشهدا بسيطا يمثل أشراف روما حين يظهرون ليباركوا للقيصر في احدى مناسباته المهمة ، هؤلاء يقنعون بأجر بسيط كأن يعطي كل واحد منهم (نصف دينار) او اكثر قليلا وربما ساومهم على (ربع دينار) ، أشار عليه احد اصدقائه ان هؤلاء (الكومبارس) موجودون في مقاهي الميدان وسط بغداد ، دخل المقهى واختار مجموعة من الاشخاص لم يعلم الرجل انهم معروفون ، وانهم اشهر من نار على علم ، بدأت المسرحية ودخل (الكومبارس) الذين يمثلون اشراف روما على القيصر ليسلموا عليه ، واذا بزوبعة من الكلمات النابية يطلقها الجمهور، (اخ هذا فلان الحرامي ، وذاك فلان النشال ، وهذا فلان الـ(...) وفلان الـ(...) وهكذا حتى علت المسرح الفوضى وفشلت المسرحية حيث انتهت بإضراب الناس وخروجهم لوجود هكذا اشخاص ، المغزى من الكلام ان اسماء الممثلين لو كانت قد وضعت على لائحة امام المسرح لوفرت على المخرج هذا الافلاس والفشل. وكذلك بالنسبة لنظام القائمة المفتوحة والمغلقة فلو عرف الناخب اسماء ابطاله لوفر على نفسه العناء الفارغ من اختيار شخصيات لا يعرفها ، ولا يمكن ان يزكي انسان انساناً آخر من دون معرفة تاريخه او شخصيته على الاقل ، وقد وقع البعض ضحية الظلام الدامس الذي حاول ان يتلمس بعض خيوط النور من خلاله ، لكنه وفي لجة الظلام الكبيرة وفي سرعة من انامله التي لم تمارس هكذا ممارسة في السابق سوى استفتاءات لم تكن ذات بال حيث ان الفائز كان واحدا وهو المرشح الوحيد ، فكان في استفتاء كهذا مملوء باجواء المخابرات والمراقبة الشديدة لا يملك خيارا سوى ان يكتب نعم وجد نفسه مضطرا للاختيار مع جهله بما تحتوي هذه القائمة او تلك ، ولذا أفرزت الانتخابات اشخاصا لم يكونوا اهلا لتسنم منصب نائب يمثل تطلعات الشعب ويناضل من اجل سعادة المجموع متناسيا نفسه ونوازعه الشخصية ، وقع الخطا ولا بد للديمقراطية ان تمر بهكذا مراحل والمهم ان نكون قد تعلمنا من اخطائنا وسنحاول ان نقلص منها في تجربة الانتخابات المقبلة ومع هذا وانا واثق ان التجربة المقبلة ستفرز اخطاء هي الاخرى وسنحاول بالتي تاتي من بعدها ان نقلل أخطاءنا ثانية وهكذا حتى نصل بر الامان ونمتلك الشخصية الحقيقية بأن نقول كلا لهذا المرشح ونعم لذاك على اساس وطني بعيد عن النوازع الذاتية او نوازع الدين او المذهب او غيرها. القائمة المفتوحة على الابواب ولن يرضى احد بأشراف كأشراف روما الذين اتى بهم صاحبنا المخرج ، بل نريد ممثلين اكفاء ، لا يفزع الجمهور منهم ويغادر المسرح حزينا آسفا.
هواء في شبك: (أشراف روما)
نشر في: 30 أكتوبر, 2009: 06:54 م