بتذمر واستياء وأحياناً بغضب، يتعامل مستخدمو الهواتف النقالة مع الصوت الذي يقول " الرقم مشغول بمكالمة أخرى أو خارج التغطية " ، وعندما يتكرر الصوت ويفشل صاحب المكالمة في تأمين الاتصال يخرج عن طوره ويكون "خارج التغطية " وتحت تأثير فقدان الأعصاب يشغل منظومة الشتائم ويصب غضبه على رأس من اقترف ذنبا بحقه يصل إلى الجد السابع .
منظومة الشتائم تقليد عراقي متوارث ، وقد يكون مخترعها أحد السومريين من ذوي الحظ التعس فقد جواميسه في الأهوار أو هاجمه خنزير بري وحطم زورقه المصنوع من القصب والمطلي بالقار، وليس من المستبعد أن يكون مخترع المنظومة قد استخدمها ضد الآلهة لأنهم خذلوه ولم ينقذوه من موقف صعب فاستحقوا شتائمه ، وربما التهم تمثال إله مصنوع من التمر في لحظة غضب. وذلك السومري هو أول شخص في التاريخ يكون خارج التغطية لتجاوزه على المقدس وأعراف عصره وتعاليم الكهنة المكلفين رعاية مصالح مئات الآلهة .
مصطلح خارج التغطية شاع استخدامه هذه الأيام من قبل أشخاص بذمتهم ديون مستحقة لمعارفهم، وفي لحظة المواجهة بين الطرفين للمطالبة بالتسديد يأتي الرد خارج التغطية، مع تشغيل منظومة أخرى هي القسم بأغلظ الأيمان، والفلوس وسخ دنيا، والمهم الوجوه ، وتنتهي المواجهة الحاسمة بتحديد موعد جديد لتسديد الدين .
المشهد السياسي هو الآخر له استخداماته لمصطلح خارج التغطية، فالمسؤول صاحب وعود تحسين خدمات الكهرباء وتعويض ضحايا الإرهاب وتسريع ترويج معاملات المتضررين من التهجير القسري للحصول على بطاقة سكن جديدة ، وتشريع قوانين تضمن حياة كريمة لملايين الأيتام والأرامل وفاقدي الدخل.. هذا المسؤول بلا شك يتكلم خارج التغطية .
صاحب الصوت الصاخب سارق مطالب المتظاهرين المشروعة والمتحدث الرسمي الدائم باسم المهمشين هو الآخر يتكلم خارج التغطية ، لأنه لوّح باستخدام السلاح للدفاع عن المعتصمين ، فشوّه تظاهراتهم بدوافع مذهبية ضيقة لم تخطر في بال ذلك السومري عندما التهم إله التمر وكفر بدينه، فنام ليلته من دون الشعور بالذنب ، ضاربا عرض الحائط وصايا الكهنة.
الخارجون عن التغطية اعتادوا الحديث عن الدستور والالتزام ببنوده ، ومن يسمع تصريحاتهم يتصور أن سفينة العملية السياسية وصلت إلى بر الأمان، ولكن واقع الحال يكشف عن بشاعة خلاف متجذر ينذر بعواقب وخيمة ، مع احتمال اندلاع مواجهات مسلحة بين المتصارعين على السلطة، وهنا تكمن المشكلة العراقية. ومن يتصور بأن الأوضاع في طريقها للاستقرار وسيتم تجاوز الأزمات هو واهم وخارج التغطية ، وليس أمامه سوى استخدام منظومة الرجل السومري ليحصل على نوم هادىء مع احتمال توفر فرصة الاستمتاع بأحلام وردية ، بحسب نشرة الأنواء الجوية .
تداول اصطلاح خارج التغطية بشكل واسع من قبل العراقيين يصلح أن يكون وصفا ملائما لكل مظاهر التراجع على الصعيدين الأمني والسياسي، لحين نهوض السومري من نومه خارج التغطية المستمر منذ آلاف السنين .
مواقف "خارج التغطية "
[post-views]
نشر في: 6 مايو, 2013: 09:01 م