خلال حديثه مع زميله في العمل ، ذكر حادثة حقيقية تدل على سلوكيات خاطئة تقوم بها الفئة التي يؤمن بها زميله ويتحمس لها.. لم يكن يقصد الإساءة له ولا للفئة التي يعتبرها منزهة عن كل خطأ بل كان يود إيضاح أمر طالما احتدمت النقاشات العقيمة حوله وبأدلة دامغة... لم يقتنع الزميل بالحادثة أو يصدقها وهذا يعني انه يتهم المتحدث بالكذب أولا ويضع ثوابت راسخة ومسلمات لفئات يمكن أن تسلك مختلف السبل لتحقيق غاياتها... وهكذا اختلف الزميلان ،إذ أصر الأول على صدق روايته وحاول الآخر أن يفرض قناعاته الشخصية ، وتطور الأمر إلى اتهامات شخصية من الأول بالولاء والخنوع والتبعية ومن الثاني بالكذب ومحاولة قذف المناطق المحرمة بالنسبة إليه.. وهكذا قادت المناقشة التي يفترض أن تكون حرة وديمقراطية وهادئة إلى خلاف كاد يقود إلى استخدام الأيدي لولا تدخل احد الزملاء العقلاء الذي سبق أن قدم نصيحة مجانية إلى الأول قبل فترة منذ أن لاحظ تعنت الثاني برأيه فقال له: " إذا أردت أن تكسب الآخرين استمع إليهم وإذا أردت أن تخسرهم ناقشهم"، وقتها رد عليه الأول بقوله: " كيف أستمع لرأي أدرك جيدا مدى خطئه وأمتنع عن التعبير عن رأيي وأعلم انه مستند إلى أدلة ووقائع مقنعة لكل شخص يعترف بالنقاش الهادئ ويؤمن بالديمقراطية الحقيقية" ..
شعر الأول بأنه يمارس أقبح أنواع الجبن حين يتجنب الجهر بالحق خشية من ألسن المبطلين بل صار يخشى من اشتعال الضغائن الكبيرة التي لا تشعلها النيران بل الكلمات خاصة إذا كان المستمع وحيد الرأي منغلقاً على قناعاته، مؤمناً بما يراه صحيحاً من وجهة نظره فقط".
ابتعد الاثنان عن بعضهما وبنيت على ذلك الحوار حالة خصام لم تسعد الاثنين فما بينهما كان اكبر من الزمالة .. لكن اختلاف القناعات في الظرف الجديد صار يمكن أن يذيب أفضل الروابط ولا يؤدي إلى نتيجة تخدم خائضي النقاش مع ذلك.. ولان الإنسان الناجح هو الذي يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم ويفتح إذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم فقد قرر صاحب الرواية ألا يتحدث أمام من لا يحاول أن ينظر إلى اللوحة من جميع الزوايا بألوانها المختلفة فمهما تحدث إليه وقال له إن ذلك أبيض أو أسود أو أحمر فلن ينظر إليها الآخر إلا من زاويته الوحيدة ، وبالتالي سيفضل أن يستمع للآخرين ويبني قناعاته الخاصة بالاستناد إلى حقائق وثوابت معروفة لئلا يتحول كل نقاش مع شخص متعنت إلى خصام ويفقد بذلك الكثير من الأصدقاء والمعارف لعدم استيعابهم معاني الديمقراطية والحرية في التفكير..
تتكرر هذه الحالة يوميا مؤخرا حتى بين أفراد الأسرة الواحدة أحيانا والسبب هو العناد والتعنت بالرأي لاغير فلوحاول كل منا أن يجلس على مائدة حوار مع كل طرف يخالفه في الرأي لاكتشف حتى لو لم يصرح بذلك أن آراءه ليست هي الأصح بالضرورة ولكنه العناد الذي يرثه البعض مع المسلمات الجاهزة ...
عموما ، بعض العراقيين وجدوا الحل لاختلاف وجهات النظر السياسية في ما بينهم وبدلا من أن يفقد احدهم الآخر في حوار عقيم صار يمكن الحديث مثلا عن برنامج (العرب آيدول ) الذي ينسى الجميع خلافاتهم متى ما دار الحديث عنه ويتفقون في التصويت للأصوات العراقية فقط ...هل نحتاج إذاً إلى استفزاز لعراقيتنا لكي نتوحد حتى ولو من خلال برنامج غنائي ؟...
جميع التعليقات 1
كاطع جواد
الاستماع للاخرين هي ثقافة حضارية قبل كل شيء وهذه لم يتعود عليها العراقي بعد رغم مظهره الحضاري وتحدث في جميع الأوساط المجتمعية العراقية من الفلاح مرورا بابن المدينة وحتى الفئات الثقافية فكثير ما نسمع عن مواقف لايفعلها حتى الانسان البسيط تحدث بين الوسط الإع