TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شكراً ..عرب آيدول

شكراً ..عرب آيدول

نشر في: 6 مايو, 2013: 09:01 م
خلال حديثه مع زميله في العمل ، ذكر حادثة حقيقية تدل على سلوكيات خاطئة تقوم بها الفئة التي يؤمن بها زميله ويتحمس لها.. لم يكن يقصد الإساءة له ولا للفئة التي يعتبرها منزهة عن كل خطأ بل كان يود إيضاح أمر طالما احتدمت النقاشات العقيمة حوله وبأدلة دامغة... لم يقتنع الزميل بالحادثة أو يصدقها وهذا يعني انه يتهم المتحدث بالكذب أولا ويضع ثوابت راسخة ومسلمات لفئات يمكن أن تسلك مختلف السبل لتحقيق غاياتها... وهكذا اختلف الزميلان ،إذ أصر الأول على صدق روايته وحاول الآخر أن يفرض قناعاته الشخصية ، وتطور الأمر إلى اتهامات شخصية من الأول بالولاء والخنوع والتبعية ومن الثاني بالكذب ومحاولة قذف المناطق المحرمة بالنسبة إليه.. وهكذا قادت المناقشة التي يفترض أن تكون حرة وديمقراطية وهادئة إلى خلاف كاد يقود إلى استخدام الأيدي لولا تدخل احد الزملاء العقلاء الذي سبق أن قدم نصيحة مجانية إلى الأول قبل فترة منذ أن لاحظ تعنت الثاني برأيه فقال له: " إذا أردت أن تكسب الآخرين استمع إليهم وإذا أردت أن تخسرهم ناقشهم"، وقتها رد عليه الأول بقوله: " كيف أستمع لرأي أدرك جيدا مدى خطئه وأمتنع عن التعبير عن رأيي وأعلم انه مستند إلى أدلة ووقائع مقنعة لكل شخص يعترف بالنقاش الهادئ ويؤمن بالديمقراطية الحقيقية" ..
شعر الأول بأنه يمارس أقبح أنواع الجبن حين يتجنب الجهر بالحق خشية من ألسن المبطلين بل صار يخشى من اشتعال الضغائن الكبيرة التي لا تشعلها النيران بل الكلمات خاصة إذا كان المستمع وحيد الرأي منغلقاً على قناعاته، مؤمناً بما يراه صحيحاً من وجهة نظره فقط".
ابتعد الاثنان عن بعضهما وبنيت على ذلك الحوار حالة خصام لم تسعد الاثنين فما بينهما كان اكبر من الزمالة .. لكن اختلاف القناعات في الظرف الجديد صار يمكن أن يذيب أفضل الروابط ولا يؤدي إلى نتيجة تخدم خائضي النقاش مع ذلك.. ولان الإنسان الناجح هو الذي يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم ويفتح إذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم فقد قرر صاحب الرواية ألا يتحدث أمام من لا يحاول أن ينظر إلى اللوحة من جميع الزوايا بألوانها المختلفة فمهما تحدث إليه وقال له إن ذلك أبيض أو أسود أو أحمر فلن ينظر إليها الآخر إلا من زاويته الوحيدة ، وبالتالي سيفضل أن يستمع للآخرين ويبني قناعاته الخاصة بالاستناد إلى حقائق وثوابت معروفة لئلا يتحول كل نقاش مع شخص متعنت إلى خصام ويفقد بذلك الكثير من الأصدقاء والمعارف لعدم استيعابهم معاني الديمقراطية والحرية في التفكير..
تتكرر هذه الحالة يوميا مؤخرا حتى بين أفراد الأسرة الواحدة أحيانا والسبب هو العناد والتعنت بالرأي لاغير فلوحاول كل منا أن يجلس على مائدة حوار مع كل طرف يخالفه في الرأي لاكتشف حتى لو لم يصرح بذلك أن آراءه ليست هي الأصح بالضرورة ولكنه العناد الذي يرثه البعض مع المسلمات الجاهزة ...
عموما ، بعض العراقيين وجدوا الحل لاختلاف وجهات النظر السياسية في ما بينهم وبدلا من أن يفقد احدهم الآخر في حوار عقيم صار يمكن الحديث مثلا عن برنامج (العرب آيدول ) الذي ينسى الجميع خلافاتهم متى ما دار الحديث عنه ويتفقون في التصويت للأصوات العراقية فقط ...هل نحتاج إذاً إلى استفزاز لعراقيتنا لكي نتوحد حتى ولو من خلال برنامج غنائي ؟...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. كاطع جواد

    الاستماع للاخرين هي ثقافة حضارية قبل كل شيء وهذه لم يتعود عليها العراقي بعد رغم مظهره الحضاري وتحدث في جميع الأوساط المجتمعية العراقية من الفلاح مرورا بابن المدينة وحتى الفئات الثقافية فكثير ما نسمع عن مواقف لايفعلها حتى الانسان البسيط تحدث بين الوسط الإع

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

 علي حسين ما أن خرج الفريق عبد الوهاب الساعدي ليتحدث إلى احدى القنوات الفضائية ، حتى اطلق بعض " المحلللين " مدفعيته تجاه الرجل ، لصناعة صورة شيطانية له ، الأمر الذي دفع...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

مثلث المشرق: سوريا ومستقبل الأقليات بين لبنان والعراق

سعد سلوم على مدار عقود، انتقلنا من توصيف إلى آخر: من "البلقنة" في سياق الصراعات البلقانية، إلى "لبننة" العراق بعد التغيير السياسي في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، وصولًا إلى الحديث اليوم عن "عرقنة"...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram