الرئيسية > أعمدة واراء > عن الكاتب ومصيره

عن الكاتب ومصيره

نشر في: 7 مايو, 2013: 09:01 م

وماذا يتبقى لنا لكي ندافع عن هيبة حتى تلك الجوائز التي تمنحها مؤسسات أهلية غير حكومية؟ فجائزة نجيب محفوظ مثلاً، هي حسب البيانات التي وصلتنا" جائزة إمبريالية تستخدم اسم صاحب النوبل ذريعة لها" (رغم أن نجيب محفوظ الذي قولوه أشد الشعارات ثورية، كان بإمكانه رفض منح الجائزة باسمه عندما كان على قيد الحياة، لكنه كما نعرف لم يفعل!)، والجائزة، تمنحها مؤسسة "إمبريالية"، تريد "شراء ذمم مثقفينا الثوريين" وعلى الفائز بها "التبرع بقيمتها للانتفاضة الفلسطينية" (هذا هو السبب المُعلن!)، "لكي يبرر فوزه أمام الجماهير". مسكين صاحب النوبل نجيب محفوظ، كيف يقود الجميع معركتهم "الشرسة" باسمه، المانحون للجائزة والمعترضون عليها، بل ولكي تكتمل السوريالية العربية "المنحطة" يزاود عليه حتى أولئك الذين حصلوا على الجائزة باسمه، سوق "ثورجية" حقيقة، أي سوق للخضرة في العالم ، أكثر منها في امتلاك الأتيكيت. أما هو، نجيب محفوظ، الذي لم يحصل على جائزة وطنية في حياته، هو الذي بعض كتبه لا تزال ممنوعة، بل وصل الأمر بالحكام الجدد في مصر ان يتجاهلوا يتجاهلوا ذكرى مئويته التي مرت قبل ثلاث سنوات، بل أن يطالبوا بحرق العديد من كتبه، أما هو الذي لم يتودد إلى حاكم عربي أو سلطان، فلم يكرمه العرب "الأبطال" حتى الآن، إلا بطعنة سكين مطبخ (كانت لحس الحظ عمياء) في الرقبة!
أن المرء إن أراد أن يكون كاتباً عندنا، من الصعب عليه أن يكتب على راحته، فلكي يعيش حياته ككاتب، عليه أن يتمتع بوجوده "الحر" ككاتب ( واحد من أمور كثيرة)؛ وجود يفترض منه الطيران الحر ذهاباً وإياباً باتجاه النص الذي يكتبه. ربما هو التصور الرعوي لصورة الكاتب، العبقري، الجبار، الذي يجلس تدغدغه آلهة الإلهام، جعلت كل هذا الحشد الذي تحميه عشيرة تأكل بني جنسها، تسخر من الثقافة الجدية، وتضحك من أولئك الذين يجلسون ساعات طويلة لكي يكتبوا وفق نظام عمل معين، أو يجولون في الليل بصورة بوهيمية. أنها صورة مرعبة بعض الشيء: يكتب المرء في الليل، وتحت شباكه حيوانات الغابة المفترسة، يذكرونه بالمجندين الأطفال في الكونغو وفي ليبيريا، الذين يجولون عبر الشوارع، يبحثون عن قلب بشري يأكلونه نيئاً: عصبة العرب "المثقفين" الكانيباليزمية، تبحث عن فريستها بشكل يومي. هل هي الساعات الأخيرة لاحتضار الثقافة عندنا؟ هل نعيش الاختفاء النهائي للكاتب البوهيمي؟ فالثقافة التي يروج لها فريق الكانيباليزم، هي ثقافة خاوية، ثقافة تريد من الكاتب أن يمتنع عن الصدق، والبساطة، أن يمتنع عن صداقة المُهَمَشين والصعلكة، وألا يتعدى تمرده النهاري مكتب الحاكم، أما بما يخص تمرده الليلي فيجب ألا يتعدى مكان الصيدليات الخافرة. يشرب أنواع عصير الفواكه، ويأكل اللحم المشوي والكباب، ليس من أجل الكتابة بصورة أفضل ، إنما من أجل البقاء على قيد الحياة بصورة أفضل. من أجل الغناء في الحمام، وحده يسمع عواء صوته الأجش، أو من أجل الجري بلا تعب مثل كلب سلوقي يلهث وراء العظمة التي ترميها له السلطات.
أحد الأصدقاء القليلين الذين ما زالوا مخلصين لوجد مهنة الأدب، أحد الذين كما يقول عن نفسه، الكتابة بالنسبة له هي أوكسيد الحياة، الأوكسجين الذي يتنفس منه، الحرية التي تتحداه يومياً، يقترح علينا إلغاء منح الجوائز الأدبية ومنع المهرجانات الثقافية؛ لكن ما يجب منعه، جدياً، هي حفلات الأكل الكانيبراليزية المصاحبة للمهرجانات والهرج والمرج: هل تسمعون جلجلة أطباق الأكل؟ ألا تشمون الرائحة غير قابلة للاستبدال للكاتب الأريحي السمين، الكانيباليزم، الذي هو دائماً هناك، يأكل لحم بني جنسه... بنهم وبشهية لا تحدها حدود!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تقارب طهران وواشنطن بوابة لحل أزمات العراق الاقتصادية

النساء يتحدن ضد تعديل الأحوال الشخصية والقضاء يتفاعل والمحكمة تحسم في أيار

عطلة رسمية للمسيحيين في 20 و21 نيسان

الأونروا: مخازننا فارغة والمجاعة تفتك بسكان غزة

كردستان تعطل الدوام غداً احتفالاً برأس السنة الإيزيدية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram