الماء شريان الحياة هذا ما عرفناه وتعلمناه،لكنه هناك في الجنوب بات شريان الموت لكل شيء للإنسان ،للحيوان ،للبيوت وأثاثها، للمحاصيل الزراعية بأنواعها، بعثة المدى المؤلفة مني والزميلين محمود رؤوف وعلي مهدي كانت على موعد مع الألم يوم الاثنين الماضي ،هناك في  ناحية شيخ سعد التابعة لمحافظة واسط وقضاء علي الغربي التابع لمحافظة ميسان ،السيول تنزف والأمطار تنزف جحيمها على القرى ،وأنا انزف دموعي على مشاهد المأساة التي رأيتها،أي قلب لا يصيح وهو يرى شيخا يبحث عن منفذ للوصول الى اليابسة،أية دموع تبخلها العين وهي ترى أما وبحضنها طفل كأنه فلقة قمر يتوسدان الطريق مسكنا بعد ان جرفت السيول أثاث بيتهما ،أية ضلوع لا تواسي رجلا فقد بيته وزرعه وماشيته ليجد نفسه كما ولد عريانا من كل شيء لا يملك غير أنفاس الحسرة على ما ذهب.

 

الأمطار والأكياس المائية

دخلنا الى قرية البيضاء التابعة لقضاء الكوت ،العديد من البيوت في هذه القرية أزهقت أرواحها الأمطار الغزيرة التي حدثت،عجلتنا غير قادرة على العوم في المياه التي تطوف بالقرية فاستنجدنا بسائق جرار زراعي من أهالي القرية اسمه محمد شنين أبو الهيل،الذي أخذنا بجولة لنشاهد دمار القرية،المواطنون يجتمعون حولنا ويطالبونا بتسجيل أسمائهم ظنا منهم بأننا من الدولة،هذه القرية فقدت 15 بيتا من اثر الأمطار، محمد الذي فقد بيته وأثاثه يقول: أنا الآن اسكن عند جاري صلاح حسن ويتساءل لكن الى متى وليس لي المال لإعادة بناء بيتي،وبشأن زيارة المحافظ الى القرية قال علي فرهود : لم يصلنا المحافظ أو عضو مجلس محافظة ،باستثناء قائممقام قضاء الكوت عادل الزركاني وعضو المجلس البلدي رشيد شاكر،ويروي رحيم حمدان : لا يوجد في القرية مستوصف أو مدرسة أو مجاري أو شوارع معبدة،والكهرباء لم تصل لها منذ أسبوع،ومياه الشرب ملوثة لكونها تخلو من الكلور والشب،لذا تجد اغلب سكنة القرية يعانون من مرض الأكياس المائية. 

الخسائر 6000 دونم في قرية البيضاء

سكان القرية كما يقول سائق الجرار أبو الهيل فقدت 6000 دونم من الحنطة والشعير وكذلك دمرت الأمطار البيوت البلاستيكية للطماطم والخيار،مضيفا بان ماشيتهم تعاني من الجوع وهي مهددة بالموت بسبب طمر الأمطار لعلفها،وكذلك طمر السماد والمحاصيل التي حصدت .

وأنت تسير وسط القرية لا تجد بيتا يخلو من المياه والمصيبة كما يقول عبد علي خلف إن تأجير ماطور تفريغ المياه بلغ (25) ألف دينار،مما اضطر العديد من سكنة القرية الى بيع بعض حيواناتهم لعدم قدرتهم على استئجار ذلك الماطور،في القرية تشاهد صور البيوت المهدمة والعوائل الملتجئة لجيرانها،تشاهد الخوف بعيونهم أقبح من ان يوصف،نساء وسط الماء ،رجال وسط العناء،أطفال وسط صيف من الشتاء.

مناشدة عشائر المحافظات

ودعنا الجرار والقرية لنتوجه الى مصيبة أخرى عفوا قرية أخرى جرفتها السيول في الجهة المقابلة لمدرسة العترة الطاهرة وهي قرية الجولانه،لا تملك غير الدمع لتواجه ذلك المشهد ،بيوت وسط السيول القادمة من هور الشويجة،أثاث المنكوبين جرفتها السيول مع بيوتهم وبعضها على جانب الطريق العام يحيلك الى مشاهد النزوح أثناء الحروب العالمية الكبرى،المواطن المنكوب سعيد علوان يونس يقول بحسرة وألم : ذهب بيتي وماشيتي وزرعي وزرع أهل القرية البالغ 500دونم،لا املك شيئا غير ذلك الأثاث الذي تراه على الطريق،لم يسأل عنا احد من المسؤولين،مأوانا الطريق إذا لم تسارع الحكومة لنجدتنا كما يقول يونس،مضيفا إن مصيبتنا مثل مصيبة الحسين عليه السلام، فكنا ننتظر من أخوتنا في المحافظات كعشائر مد يد العون لنا ونصب السرادق للمشردين منا.

هناك قرى محاصرة

كلما دخلنا في عمق الحدث يتسع الجرح لان كل شيء يهرول نحو الموت ،حتى الصوت فهو قلق مبحوح من عويل داخلي ستره الحياء،لكنه يبحث عن تابوت وسط الماء ،يا الله متى أصبح الماء كفنا وتابوتا وقبرا للأحياء.

عجلة كوستر قديمة أصبحت مسكنا لإحدى العوائل المشردة،كيف تنام الأطفال وسط هذا الجو المظلم والبارد ،وفي الوقت الذي نصبت جمعية الهلال الأحمر 200خيمة في ناحية شيخ سعد بلغ فيها عدد العوائل المشردة (2500)عائلة وهناك (700)عائلة نزحت من الناحية باتجاه المحافظات كما يقول مدير ناحية شيخ سعد السيد أمير زايد العلاق،مضيفا بان نسبة الأضرار التي طالت الناحية بلغت 90% من ممتلكاتها سواء بالمباني أو المحاصيل والحيوانات ،موضحا بان هناك قرى محاصرة وقد تكون هناك قرى مجهولة الموقع لذا قد تكون هناك ضحايا في الرواح ولكن لحد الآن لم نعثر على جثث أو نسمع بموت احد من المواطنين.

غرق 25 الف دونم

وعلل العلاق الكارثة التي حدثت في الناحية بسبب الأمطار وليس السيول لعدم وجود خدمات شبكات المجاري بسبب عدم إحالة الوزارة للمشروع على الرغم من إكمال التصاميم من قبل جامعة القادسية،مضيفا إن عدد القرى المنكوبة بلغ (40)قرية اما بالنسبة لمحصولي الحنطة والشعير فقد بلغ حجم التالف منها (25)ألف دونم والسبب في ذلك كما يقول مدير الناحية هو بسبب تأخر استلام المحصول من قبل وزارة التجارة(سايلو الكوت)،صرخت وأنا في تنور العويل ،دعوني ابكي فهناك لا تجيد غير الدمع و(السمع) لأصوات المنكوبين اللاجئين في وطنهم.