TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > فــــارزة:قصة حب في حي طارق.. العاطفة تنتصر على السياسة

فــــارزة:قصة حب في حي طارق.. العاطفة تنتصر على السياسة

نشر في: 30 أكتوبر, 2009: 07:06 م

وارد بدر السالم التحقيق الذي نشرته "المدى" يوم أمس الأول عن حي طارق ، بوصفه منتصف حزام الفقر حول بغداد، إنطوى على لمحة إنسانية فريدة في كمالها البشري والعاطفي ، لتتألق في بُعدها الأخلاقي والاجتماعي وتسجل سابقة غير معتادة في مجتمع نخرته السياسة من ألفه الى يائه
 وأدمى قلبه لصوص الطائفية وحواضن الإرهاب القاعدي ، وبالتالي تنتصر على السياسي بولاءاته الخارجية والداخلية معاً . فحي طارق كما وصفه التحقيق حي بائس لا تتوفر فيه أية خدمات إنسانية ، فتسبب ذلك بعزلة قهرية لمجتمعه الصغير، ومن ثم فتكت به أمراض وأوبئة وفقر وبؤس وفاقة وعوز ، فمارس أحط المهن وأكثرها رثاثة ، متخلياً بذلك عن الكثير مما يحفظ إنسانيته وآدميته ، وهو يعيش في بلد النفط والمليارات الشهرية التي تذهب في جيوب اللصوص عادة ؛ ليبقى هذا الحي وغيره من أحياء العراق الفقيرة يتطلع الى المجهول والمخلّص والمنقذ ومَن هو بهذه الدرجة الغامضة ! توفر التحقيق في نهايته على قصة حب بين صبية وصبي بين هذه الخرائب التي يسمونها " حي طارق " وقصص الحب مألوفة في المجتمعات ولا غرابة فيها كالمعتاد ؛ غير أن اللافت للأنظار أن هذه القصة خرجت عن مألوفيتها نسبياً وأدت الى خطف الفتاة من قبل عاشقها الصغير ومن ثم إرجاعها من قبل الشرطة و"إلقاء القبض" على العاشق المتيم الذي اعترف بـ"فعلته"الجريئة لأنه عاشق بريء ، كما أن الفتاة الصغيرة اعترفت هي الأخرى ببراءة عشقها وطلبت من الشرطة عدم ضرب حبيبها (علاوي) أو إلحاق الأذى به !! تصلح قصة الحب هذه أن تكون فيلماً سينمائياً تُستوثق منه سنوات الحريق العراقي بكل ما فيها من آلام وضنك في العيش ومخاوف لها أول وليس لها آخر . لكننا لسنا بصدد تقديم مشورة سينمائية ، بقدر ما وددنا إيجاد بعض المقاربات النفسية والسلوكية في مجتمع لا يريد أن يفقد الأمل ويرتمي في حاضنة اليأس ، ليبرر انحرافاتٍ غير مستساغة في علاقاته مع المجتمع . فالحياة العراقية الدامية تتقبل كل الاحتمالات بسبب الضغط النفسي الذي لا يُحتمل وما تركه ويتركه من آثار قد تؤدي الى انهيارات متلاحقة هنا وهناك ، وبالتالي لا نكسب شيئاً ، بل تتعمق الجراح وتزداد وطأة الموت . "علاوي" الصغير وحبيبته التي تصغره يصلحان مشروعاً سياسياً قبل أن يكونا مشروعاً عاطفياً ! فسياسيونا الذين فقدوا الكثير من عواطفهم أمام سطوة المال والكراسي الهزازة وزواج المتعة وحب السفر المجاني قد لا تعنيهم مثل هذه القصة العادية ، لكن "علاوي" وأميرته الصغيرة ضربا مثالاً راقياً في التغلب على مصائبهما الشخصية وهما لم يبلغا سن المسؤولية بعدُ ؛ غير أن هذه العلاقة ينبغي أن ننظر لها من الباب السياسي قبل العاطفي ، فالسياسي كامن في هذا التصرف ؛ وإن كنا لا نحبذ فكرة الخطف ؛ والحب صرخة مدوية في وجوه السياسيين بعد أن أوصلوا حي طارق وغيره الى القمامة .فيما تغلب "علاوي" على هذه الضعة لينتشل حبيبته حالماً كشأن الفقراء الحالمين والعشاق الحالمين من أنه وصل الى حافات النجوم ، بعيداً عن بؤس الأرض الذي هو حي طارق لا غيره.. الفقراء عادة ما يبدعون في قصص الحب والوله وتعاطي العاطفة الى أقصى حالاتها ، لكن بعض السياسيين خالي الوفاض؛ له قلب عفريت وأسنان تمساح وضخامة حوت . ولأن الفقراء لا يملكون من الحياة غير واجهتها وخبزتها السمراء ، لذا نجدهم ينتصرون دائماً على غيرهم من العتاة والطغاة وأشباه الآدميين الذين ملأوا أسماعنا بكل العواطف الكاذبة والمشهيات الأرضية الكثيرة .. السياسي الكامن في هذه القصة الصغيرة هو الوجه المخفي منها. السياسي غير واضح وصورته ملغاة. لكن يمكن استشفاف ملامحه القبيحة في تدابير العاشقين اللذين غامرا فخسرا المغامرة ، لكنهما انتصرا عليها حين استثارا الرأي العام ، فشكلا نبضاً صغيراً في قلب المجتمع .. وبالتالي نحيلهما نحن من وجهة نظرنا الى ما يجب أن تُحال إليه ، وهو السياسي الذي لا يعرف ان الحب أكبر سلاح لأكبر جمال على الأرض.. بل أكبر معارضة يمكن تغذيتها شيئاً فشيئاً لطرد القبيح من الحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram