TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لمناسبة الإعمار في مدينة العمارة

لمناسبة الإعمار في مدينة العمارة

نشر في: 7 مايو, 2013: 09:01 م

ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بشأن المشاريع في مدينة العمارة والأحاديث غير القليلة عن جهود محافظها علي دواي لازم بلغت حد أن وسائل إعلام أخرى صورت المشهد على أنه الفتح المبين في الخدمات ونقلة نوعية على صعيد تحسين أحوال المواطن هناك. لكني للأسف كنت قد فوجئت من مشاهدتي الأولى للمدينة التي لم أزرها منذ أكثر من 20 سنة، وخلال الجولة القصيرة التي أمضيتها قبل يومين في شوارعها وساحاتها ، بأني وجدت المقروء يختلف كثيرا عن المعاين فالكلام كان يصف المشاريع بما يفوق تصوره.
ولكي لا أكون باخسا للجهود تلك أقول نعم هي جهود كبيرة في مدينة مثل العمارة، ظلت تعاني الإهمال والقصد بالتنكيل من قبل النظام السابق سنوات وسنوات. جهود لا تشكل شيئا في نظر الزائر العابر لكنها نعمة وبركة وخير للمواطن الذي ظل لا يحلم أبعد من دشداشته وعباءته، حتى بعد سقوط النظام اللعين ومجيء الدولة "الديمقراطية".
يقول صديقي العماري الذي صحبني بسيارته في الجولة تلك : سوى هذا المبنى الذي شيد ليكون مرآبا حديثا للسيارات ، ،سوى الجسور السريعة والطرق المبلطة بما ترى، سوى الأرصفة بالحجر الذي لا أحد يضمن بقاءه سنة أخرى، وهذه الحديقة وذاك المبنى لا شيء تغير من واقع المدينة، وحين بدأنا المقارنة بين ما يحدث في مدينته (العمارة) والبصرة ظل يسخر ويتأفف من ما يشاهده هنا ويمتدح البصرة بما تشهده من (أعمار وبناء) على حد قوله، وهنا تذكرت أن الصورة في وسائل الإعلام ليس هي على الواقع، فما تذمر منه في مدينته سبق لي أن تذمرت منه في مدينتي، فقلت له : هو الجنوب واحد وإن تعددت مشاهده يا صديقي، لا العمارة ولا البصرة بالمدن التي نحلم بها، ولن تتحقق أحلامنا بمدينة حقيقية في بحر السنوات العشر المقبلة، فرد مستغربا يائسا لماذا؟
يعتقد الإنسان البسيط في عراقنا المغلوب على أمره بأن البناء الحقيقي، الذي سوّقته الكاميرا لنا إنما يكمن في المباني المصبوغة والجسور التي تجثم على صدر المدينة والحدائق والأسواق والمولات الكبيرة وسواها، والدولة أي دولة ان شهدت مثل هذه حازت الجائزة الكبرى في البناء وأصبحت من الدول المتقدمة، غير مدركين بأن بناء الحياة الحقيقية كل لا يتجزأ، والإنسان هو الجزء الأهم في عملية البناء فالمبنى الجميل لا يكون جميلا إلا بإنسان جميل، وحركة الناس داخل السوق لا تكمل إلا بالسلوك النبيل والصدق في التعامل وحسن النية والظن الحسن بالذي تتعامل معه أكان تاجرا أو متبضعا. ومثل هذه وتلك هي قوام كل بناء في العالم.
لكن ومع الأسف لا نجد محافظا أو مسؤولا حكوميا فكر بعملية بناء كهذه، وهكذا ظل الاعتقاد سائدا بأن من يبني مبنى جميلا عليه أن يفكر بالإنسان الذي يديره. هذا إذا كان بناء المبنى بمواصفات ما يبنى في العالم لا بمواصفات ما تنشئه الشركات المحلية التي أخذت على عاتقها بناء أكثر من 70% من مشاريعنا في الوسط والجنوب، بعد أن يئسنا من دخول شركات البناء العالمية للعراق.
ومن المطر تكتشف حقيقة شبكة المجاري والصرف الصحي في مدينتك، من ديمومة الكهرباء واستقرار منظومتها تفهم حقيقة الصناعة، ومن بوابة رئاسة الجامعة وروح الزمالة بين الطلبة (بنين وبنات وأساتذة) تفهم مستقبل التعليم، ومن هيئة عامل المطعم، من سلوك العاملين في المول الكبير، من آداب الراكبين معك في الباص، تفهم جوهر ومعدن الإنسان، ومن عيون الضباط والجنود والشرطة تتلقى الشعور بالأمن والخوف معا، من الصوت الذي يأتيك من راديو السيارة، من الأغنية واللطمية تفهم إقبال السائق على الحياة وعزوفه عنها أيضا، من الصُّور واليافطات المعلقة والشعارات على واجهات المباني تكتشف ما إذا كنت في مدينة من نسج صناع مهرة عملوا على بناء إنسانهم قبل أن يسووا الجدران ، من هناك ستعلم ما إذا كنت ستنتسب لها أم لا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram