يسألني مقدم البرنامج العربي عن "لواء أبي الفضل العباس" الذي يقولون انه بمجندين شيعة عراقيين يقاتل في الشام دفاعا عن بشار الأسد، أو دفاعا عن مراقد الأولياء التي يحترمها الشيعة والسنة (باستثناء سلفي نادر). ولم يأت على ذهني في جوابه سوى استذكار الشباب المسلمين الذين جاؤوا إلى العراق بعقيدة صعبة وانتحروا بين صفوف الشيعة والسنة بعد ٢٠٠٣.
وعدا ما ينشر من صور في فيسبوك وتويتر عن جنائز لشباب عراقيين يقال إنهم لقوا حتفهم في حرب الشام، فإنني كغيري لا أمتلك معلومة جازمة.
إن الحرائق تنشب في غابات الزيتون على المتوسط، وشباب من كل بلدان التشيع والتسنن وقودها. نتذكر فقط أن شباب العراق كما يبدو ينخرطون في الحرب السورية، سنة مع جبهة النصرة والقاعدة، وشيعة مع ألوية مقدسة مناظرة. إننا ننقسم إذن في العراق وفي الشام، كمعشر مناذرة وغساسنة في القرن الحادي والعشرين.
إنها المشاعر الطفولية حين تدخل لعبة الموت الكبرى. طفولة سياسية وعواطف دينية يستغلها أمراء الموت والثوريون الرومانسيون ليطحنوا شعب سوريا بكل طوائفه ويورطوا بعدها كل الشعوب معه.
وحين يتوغل خارج غير منضبط في داخل يأكل نفسه، تكبر الكارثة.
وفي العراق نتذكر الشباب العرب الذين انتحروا بين أهلنا. جاؤوا برسم حرب مقدسة مع الكافر، وفتاوى مرصعة بكل الكلمات المقدسة. وأطالوا زمان ذبحنا. كان لدى العربي ذريعة مقدسة لقتلنا، كما أن لدى العراقي اليوم ذريعة مقدسة مع القاعدة أو لواء أبي الفضل، لينخرط في حفلة الدم المؤلمة في الشام.
كيف نحول دون اكتمال الكارثة؟ أم أن هذا ليس زمانا يصلح للحلول لأنه "قيامات" كثيرة لا تنتهي ومن "المحتوم" أن نمر بها؟ كيف لا والسياسة لدينا دم وبارود يعوض نقص السياسة وتخلف مؤسسة الحكم وبربرية حاكم مثل الأسد.
إن اللهب يشتعل في زيت مقدس وسط غابات الزيتون على المتوسط. لكن المقدس هذا وهو زيت الأساطير القديمة نفسه، يمكن أن ينقل اللهب العظيم إلى مخازن البترول الضخمة في العراق والخليج أيضا. بمعنى مشابه كتبت واشنطن بوست خشيتها في افتتاحية الاثنين، وهي خشية نلاحظ عليها بصمات عمالقة النفط السبعة الذين يستثمرون لدينا. قالت الافتتاحية مخاطبة أوباما: عليك أن تتدخل في سوريا كي تنقذ العراق! وسكتت.
والأمر ينطوي على حظ عراقي سيئ بشكل ما. ففي لحظة تمنى العراقيون أن يحل عليهم السلام. تضرعوا لكل آلهة التاريخ أن يهدأ أمراء الحرب. والعراقيون يتضرعون منذ الأزل في طلب سلام مستحيل، حتى أن الكاهن في قصة الخلق الأكدية يردد عبر كل الفصول أنه "يصب الخمر لتبريد الأم تيامة" والدة الالهة الغاضبة. وكنا نأمل قبل ٢٠١١ من سوريا والخليج أن "يضبطوا حدودهم وشبابهم"، ومن إيران أن ترأف بحالنا، كي نأخذ عطلة من الموت. أما اليوم فلم يعد هناك حد ولا بوابة يسهل إيصادها، وصرنا نحن نذهب إليهم بالرماح والنبال إذا تأخروا هم عن القدوم إلينا.
ومؤسستنا السياسية في أسوأ حال. مفككة لا يلزمها ملتزم بقانون ولا بقاعدة. ولولا بضعة توسلات لتورطت دبابات المالكي في دماء الشعب وأدخلتنا في دوامة جديدة. وهو خطر لا يزال قائما طالما غابت السياسة وروح التفاوض، وطالما ظل المالكي معزولا لا يحيط به سوى جنرالاته، وهؤلاء لا يفهمون من السياسة سوى قعقعة السلاح.
والحوار منعدم بين بلاد فارس والعرب، كانعدامه بين الفرقاء العراقيين. قبل سنة كنا نقول إن إيران تمعن في دعم حرب الأسد على شعبه كي تذهب إلى الحوار وهي قوية قادرة على حماية حلفائها هناك وصناعة ضمانات لهم. لكن الحرب تفرخ المزيد من الثأر. وقد دخل فيها الجميع اليوم حتى إسرائيل. وقد تورط فيها التاريخ أيضا ولم تسلم أضرحة الصحابة. لم يعد في وسعك إقناع العرب ولا إيران بشيء كما يبدو.
واشنطن بوست تكتب مخاوف عمالقة البترول، من انتقال الزيت المقدس المشتعل في معابد الشام، إلى زيت مقدس آخر قرب منابع النفط. وأوباما يحمل على كتفيه أوزار الركود في منطقة اليورو وكل متاعب الأميركتين، حتى الفتى الكوري في أقصى الشرق لا يمهل واشنطن قليلا ويهدد بإحراقها بالصواريخ.
شباب العراق ينخرطون بمشاعرهم الدينية دعما لجبهة النصرة، أو قتالا مع لواء أبي الفضل. وكأن سلاطيننا أعجبتهم عبارة بريجنسكي التسعينية في وصف "الهلال الخصيب" وكتبوها على أبوابهم "هلال المتاعب يتسع ويكبر ويصبح قمرا، لا يسطع منه ضوء لعاشق أو شاعر، بل مطر له لون الدم". كأنهم استسلموا لأقدار هذه العبارة العجوز.
الشيعة والزيت المقدّس في الشام
[post-views]
نشر في: 7 مايو, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 11
المدقق
عجبا لك ايها الكاتب العنجوكي ,, فانت تنتقد المالكي وبشار الاسد وحكام الخليج وحكام ايران واسرائيل واميركا وكوريا الشمالية واوربا ,, وتستذكر الهة الاكديين وتنسى الله .. الهذه الدرجة تعتبر نفسك فهيما ومتمكنا وعبقريا ؟؟ الهذا الحد بلغ بك الغرور لمجرد انك قرات
رمزي الحيدر
جميل جداً يمكن نسميها سمفونية تهديم الحضارات.
حمدان الازرقي
حينما تكبل العقول باهواء النفوس يفرغ الانسان من قانون الأمان، فيتصرف حينها وفق ما تمليه عليه نفسه من الانفعالات غير المحدودة والاعتقادات غير المعقولة والخارجة عن هيمنة وسلطنة العقل الفطري، وبدل ان يكون الانسان هو احوج الى العقل وحكومته في مثل هذه الازمات
الوائلي
عظيم جدا يا مدقق ... هل هذا نتاج القافة التي زرعها المالكي منذ ثمان سنوات .. انت تعبر عن خلاصة فكر مريض هجين على الوعي العراقي .. انه الوعي المالكي العنكوجي ما ادري شتسميه .. حي الله وزارة الثقافة الي وزيرها وزير الدفاع فاختلط العنكوجي بالمسروقجي فنتج الف
مواطن
يبدو ان المدقق المتعصب هذا يعتقد ان الاستاذ سرمد لديه عقدة من السيد رئيس الوزراء ،وهذا خطا فالسيد سرمد يؤدي دوره كاعلامي وهذا واجبه فوظيفته تحتم عليه كشف الأخطاء من اجل تصحيحها وليس التستر عليها لتكبر وتنفجر ، لكن يبدو ببساطة ان هذا المدقق قد تخرج من
عماد علي
سرمد والازمة الدائمة لن تنتهي ازمة العراق او المنطقة ولا ازمة الكاتب سرمد الطائي الازمات متشابهة ويكمل بعضها بعضا ازمة العراق ازمة المصالح غير المتكافئة والجهل والجهل المركب والإدعاءات الكاذبة والكلمات المقتطعة من جمل عسيرة الفهم وهي كذلك ازمة منطقتنا برم
كاظم شناتي
للاسف كان هذا الرجل مشروع اعلامي عراقي ناجح لكنه تحول الى مجرد قزم طائفي سخيف ليسقط من عيوننا في بالوعة القاذورات
أحمد عبد الوهاب
جزيت خيرا ولكني تمنيت ان تستذكر تهديدات قيس الخزعلي و(الفريق الركن)مناف البطاط...وتنفيذ تلك التهديدات بالهجوم على مساجد المنصوروالدورةوغيرها لذا فأدعوك كاتبنا العزيز الى مقال حول تلك التهديدات واقول لمن يتمسح بمدح الاستبداد والظلم اتق الله تعالى وصح الن
فؤاد الفيلي
كيف تساوي بين من يدافع عن مراقد اهل البيت ضد الهجمه التكفيريه الصهيونيه في سوريه وبين من جاء من العربان التكفيريون الى بغداد ليقتل الناس في الاسواق والمدارس والجامعات ؟؟ الا تعسا لك من طائفي مريض ..
صلاح الحسني
سرمد الطائي ام الطائفي ؟؟؟ اعتقد ان حرف الفاء سقط سهوا !!!!!!!
قاسم عبد اللة
الاستاذ سرمد كاتب مبدع واعلامي ناجح..... بارك اللة فيك ومزيدا من تشخيص الامراض المستعصية في عراقنا الحبيب وسائر الارض العربية....