في شهر مايس 2010 انتقل الى جوار ربه فارس الدراما التلفزيونية العربية ( أسامة أنور عكاشة). ذهب ليترك فراغا لا يمكن سده بيسر، لاسيما في الدراما التلفزيونية ، بعد ان ملأه على امتداد أربعة عقود بأعمال وجدت طريقها الى ذاكرة الجمهو
احمد الحسن
(2-1)
في شهر مايس 2010 انتقل الى جوار ربه فارس الدراما التلفزيونية العربية ( أسامة أنور عكاشة).
ذهب ليترك فراغا لا يمكن سده بيسر، لاسيما في الدراما التلفزيونية ، بعد ان ملأه على امتداد أربعة عقود بأعمال وجدت طريقها الى ذاكرة الجمهور ، واستأثرت باهتمامه، حتى إن شوارع المدن العربية كانت تخلو من المارة عند عرض أحد مسلسلاته.
بدأ( أسامة أنور عكاشة) مسيرته الإبداعية بكتابة القصة القصيرة واصدر مجموعته القصصية ( خارج الدنيا ) عام 1967 ثم ( مقاطع من أغنية قديمة ) .
وقد أعدت بعض قصصه أعمالا تلفزيونية ، كتمثيلية ( حارة المغربي ) ومسلسل ) رجال الغروب ) .ثم تحول الى الرواية الطويلة فاصدر ( أحلام في برج بابل ) و ( همس البحر ) و ( تباريح خريفية ) وغيرها.
وكذلك مارس الكتابة المسرحية مثل ( ولاد الذين ) و ( الليلة 14 ) و( عز الظهر ) و ) الناس في الثالث ) .
كما كتب عددا من الأفلام مثل ( كتيبة الإعدام ) و( الهجامة ) و ( دماء على الإسفلت). وبذا يكون مبدعنا قد مارس مختلف النشاطات الأدبية ، لكنه تألق تألقا كبيرا في كتابة الدراما التلفزيونية ، وبلغ ذروة الإبداع فيها ، الى الحد الذي لم يستطع أي من كتاب الدراما الآخرين مجاراته فيها . وتعد من أهم أعماله، مطولاته الأربع، من بين خمسة وأربعين عملا تلفزيونيا ، هي ( الشهد والدموع ) و ( ليالي الحلمية ) و(زيزينيا ) و (المصراوية ).
وإذا كان قد حمل لقب ( نجيب محفوظ ) التلفزيوني، بعد ان أصبحت الدراما التي يكتبها هي النظير التلفزيوني لأدب (نجيب محفوظ ) ، لاسيما عند مقارنة مطولاته مع ثلاثية نجيب محفوظ ( بين القصرين ) و ( قصر الشوق ) و ( السكرية ). حيث تبدو المقارنة واضحة للعيان، حيث دخل (أسامة أنور عكاشة ) عالم الحارات الشعبية ورصد التغيرات و التحولات التي طرأت على الشرائح الاجتماعية في (مصر ) ونقلها بواقعية الى الشاشة الصغيرة ، مع اهتمام بالتفاصيل مهما كانت صغيرة.
وإذا كانت الدراما التلفزيونية هي اللعبة التي أجادها (أسامة أنور عكاشة ) ، فهو عمل على ان يتقن هذه اللعبة ، وان تكون شكلا من أشكال الأدب ، إذ جعل للدراما مكانة ثقافية وفكرية تواكب الرواية والمسرحية والقصة ، فعاشت شخصياتها في وجدان الناس.
وقد بدأ اهتمام الكاتب بالدراما التلفزيونية مبكرا بعد ان لمس خطورتها في ملامسة مشاعر الناس وتأثرهم بها. لاحظ ذلك بعد إصدار مجموعته القصصية الأولى (خارج الدنيا ) التي لم تلاق اهتمام حتى الذين أهداها لهم، إلا انه بعد ان طلب منه احد أصدقائه موافقته على تحويل إحدى قصص المجموعة الى عمل تلفزيوني، دهش عندها، للصدى الواسع الذي تركه ذلك العمل، في الصحف وعند الآخرين. عندها استقر في عزمه التحول الكبير الى الدراما التلفزيونية.
والملاحظ إن أهم قضية كانت تشغل ( أسامة أنور عكاشة ) في مجمل أعماله الدرامية هي عملية الرصد الاجتماعي والتحولات السياسية في المجتمع المصري ، وقد بدأها في وقت مبكر منذ مسلسل ( الشهد والدموع) .
ويمكن القول ان لدراسته الجامعية وحصوله على ليسانس الآداب في (الدراسات النفسية والاجتماعية) من جامعة (عين شمس) ، وعمل بعد تخرجه (اختصاصيا اجتماعيا) في إحدى المؤسسات (الاجتماعية( ، ثم في رعاية الشباب في جامعة) الأزهر) بـ (الاختصاص( نفسه ، كان له الأثر الكبير في رصانة عمله الدرامي وفي دقة وصدق تناوله للأحداث من موقع المراقب المتخصص للتحولات (الاجتماعية والنفسية( للمجتمع و للأشخاص الذين دارت أعماله الدرامية حولهم.
وعند الحديث عن البطل في دراما (أسامة أنور عكاشة ) ، يمكن الانتباه الى ان شخصية البطل في السينما المصرية كانت قد أسست خلال الأفلام السينمائية والأعمال المسرحية ومن ثم التلفزيونية على انها محور الأحداث ، وانه الفرد الذي تدور حوله كل وقائع وأحداث العمل الدرامي ، وتسخّر له كل الشخصيات الأخرى لإبراز دوره . ولا يمكن نسيان دور) السنيد(الذي كانت تذوب شخصيته وربما كرامته من اجل إبراز وتلميع شخصية البطل . ويمكن ذكر عدد من الممثلين الكبار ( عبد المنعم إبراهيم ) و ( عبد السلام النابلسي ) وغيرهما الكثير ، كيف كانت أدوارهم تجير لصالح بطل الفيم.
إلا ان مفهوم البطل عند ( أسامة أنور عكاشة ) تعدى ذلك وأصبح يغطي مساحة واسعة من العمل الدرامي بحيث يصعب في كثير من الأحيان تشخيص البطل من بين مجموعة أركانه ، أو فرز واحد او أكثر منها وإعطائه دورا يميزه عن البقية ، إلا بصعوبة بالغة . و لإلقاء الضوء على مفردات تلك الأركان يمكن ملاحظة ما يأتي :
المكان :
يلعب المكان دورا مهما في دراما (أسامة أنور عكاشة ) فهو ليس مجرد مكان محايد تجري فيه الأحداث، بل هو وعاء فاعل يؤثر في الأحداث ويتأثر بها. وهو كما عبر عنه في لقاء تلفزيوني : حالة وجدانية وشعورية في الدرجة الأولى.
والمكان قد يكون مدينة كـ ( القاهرة ) كما في ( الشهد والدموع ) أو ( الإسكندرية ) في ( النوة )أو محلة كما في ( ليالي الحلمية ) و )زيزينيا ) وربما ، مقهى كمقهى ( زينهم ) أو مصنعا كمصنع ) سليم البدري ) في ( ليالي الحلمية )، أو قصرا كما في (الراية البيضاء) ، أو قرية كما في (المصراوية).
فالأحداث ترتبط ارتباطا حميميا في المكان، ولا تنفصل عنه . فقرية ( بشنين ) مسرح حوادث مسلسل ( المصراوية ) هي مصغر للدولة اوضح المؤلف من خلالها كيف ينشأ النظام السياسي وكيف يتطور من خلال نشأة السلطات داخله، فيستطيع المشاهد الربط بين السياسة والمجتمع والسلطة الدينية والسياسية ، وكيف تعمل تلك السلطات بجوار بعضها البعض.
ولدلالة المكان المهمة في دراما (أسامة أنور عكاشة ) يلاحظ ان عددا من مسلسلاته تحمل أسماء الأمكنة التي دارت فيها أحداث العمل الدرامي، كالمسلسلات التي ذكرت سابقا.
وأهمية المكان عند أسامة تبدو جلية في تأثيره على عادات وسلوك الأشخاص لاسيما عند انتقالهم من مكان الى آخر ، حيث يبدو الصراع أو عدم الانسجام بتأثير معطيات المكانين السابق واللاحق ، يلاحظ ذلك في شخصية (نوراي ) (غادة عادل ) زوجة (فتح الله الحسيني ) في مسلسل (المصراوية ) المسمى نسبة الى مكانها السابق (مصر ) والمقصود به ( القاهرة ) وان هذا الصراع هو جزء مهم في المسلسل تدور حوله الأحداث. ويلاحظ ذلك الصراع ايضا عند العمدة (سليمان الغانم ) (صلاح السعدني ) في مسلسل) ليالي الحلمية) .
وبهذا يعد المكان في أعمال كاتبنا بطلا مهما من أبطاله .
الزمان :
يمكن ملاحظة الزمان كبطل في أعمال (أسامة أنور عكاشة ) ، بخاصة في مسلسلاته المطولة كـ ( ليالي الحلمية ) ذات الخمسة أجزاء ، حيث امتدت أحداثها قرابة ستين عاما ان لم تكن أكثر . ففيها رصد تحولات المجتمع المصري في تلك الفترة من خلال متابعة ثلاثة أجيال من عائلتين مصريتين احدهما قاهرية ارستقراطية والأخرى ريفية في الفترتين ( الملكية ) و (الجمهورية، بأدوارها الثلاثة )، وما رافق ذلك من تغيير في الأخلاق والعادات والمفاهيم . وقد لعب الزمن دوره في مسيرة تلك الأحداث. ولا نعني به الدور البايولوجي في تقادم الأعمار واعتلال الصحة رغم أهميتهما ، بل بما نتج عنه من تغيرات اجتماعية وسياسية، وتغير في وسائل الإنتاج، واختراع آلات وأجهزة حديثة وقمع حريات وانفتاح ، تترك أثرها حتما في السلوك الاجتماعي المقترن بتغيير في العادات والمعطيات للفرد والمجتمع على حد سواء
ولقد كان كاتبنا موفقا في استخدام الزمن كبطل من أبطاله ، وربما كان تميزه من جراء ذلك.
وان تكون المسلسلة من عدة أجزاء، فان ذلك مقرر في ذهن الكاتب منذ البداية، وليس حالة طارئة، تأتي بعد انتهاء الجزء الأول وحصوله على نجاح أو صدى يتقرر بعدها مط العمل الى أجزاء أخرى. مثال ذلك في ليالي الحلمية وزيزينيا حيث الإعلان عن أجزاء المسلسلة منذ الحلقة الأولى ، مما يدل على منهجية الكاتب وسيطرته على أحداث المسلسل منذ البداية .