بعد أكثر من تأجيل ومماطلة في تحديد موعدها، تمّت زيارة وزير الخارجية الإيراني لعمان، وفيها تركزت محادثاته على ملفي سوريا وفلسطين، لكنه سمع العديد من الأسئلة التي ظلت دون جواب مقنع، عن الجزر الإماراتية التي تحتلها بلاده، والبحرين التي تتدخل طهران فيها على أسس مذهبية، مذكية نار الصراع الطائفي، المهم أن صالحي حمل رسائل إيرانية سورية، تتعلق بمخاوف دمشق من تدخل عسكري عبر الأردن، والمؤكد أنه لم يحمل أية رسالة أردنية، فالطرق سالكة بين عمان ودمشق، لكنه بالطبع أطلع الرئيس الأسد على انطباعاته حول الموقف الأردني، الذي جاء على ثلاثة مستويات، الأول متوتر، كما بدا من محادثاته مع نظيره الأردني، وفي مؤتمرهما الصحفي، والثاني دبلوماسي بحت ظهر واضحاً في تصريحاته بعد مقابلته للملك، وبينهما كان رئيس الوزراء يناور في موقفه بين الموقفين.
في الزيارة القصيرة، التي تمت تحت عنوان افتتاح السفارة الإيرانية الجديدة، تم تظهير الخلافات أكثر من التوافقات، وحرصت عمان على تطمين حلفائها العرب والغربيين بأن استقبال صالحي، لا يعني تبدلاً في المواقف والتحالفات، تقاطعت المواقف حيال الملف السوري، ومع انحياز إيران بشكل مطلق إلى جانب الأسد، كان هناك مساحة مشتركة تتمثل، ولو ظاهرياً، برفض التدخل العسكري الخارجي، والبحث في الخيار السياسي لحل الأزمة، كما أن طهران تدرك أن الأردن مع رفضه لخيارها النووي، يرفض استخدام القوة ضدها ويرى أن للدبلوماسية دوراً لم يبلغ نهاياته، وإذا كان صالحي عرض على الأردن التعاون في مجال الطاقة والزراعة، وزيادة معدلات التبادل التجاري بين البلدين، فإن من غير المتوقع أن يلقى هذا العرض تجاوباً، فالأردن ليس معنياً بكسب إيران وخسارة دعم الخليج، ولا بتجاوز الخطوط الحمراء مع واشنطن قبل تسوية الملفين السوري والفلسطيني.
بعد لقاء العاهل الأردني مع صالحي، لم يصدر عن الديوان الملكي غير خبر مقتضب، تحدث عن رسالة من الرئيس الإيراني للملك، ولعل ذلك كان رداً على تصريحات اتهامات مسؤولين إيرانيين للأردن، بأنه مخلب في يد الصهيونية، وهي اتهامات تنصل الضيف منها، بتأكيده أن مواقف طهران الرسمية تخرج من المرشد الأعلى والرئيس الإيراني ووزارة الخارجية، ذلك يعني في النهاية أنه لايمكن لهذه الزيارة ان تؤدي الى اختراق مهم على صعيد العلاقات بين البلدين، غير أنه يمكن القول إن طهران تريد جر الأردن إلى الحياد، خصوصاً بعد الضربة الإسرائيلية في قلب دمشق، وإذا كان المعلن أنها استهدفت سلاحاً إيرانياً كان في طريقه إلى حزب الله، فإن ذلك يرتب على طهران أعباءً مضاعفة، وإن كان البعض يظن أن الوفد الزائر استنتج فشل مهمته، بعد اللقاء مع وزير الخارجية الأردني، فإن ذلك تحميل للأمور فوق طاقتها، لأنه لم يكن منتظراً تطابق المواقف بين البلدين.
كان مهماً أن يطمئن الملك الوزير الإيراني بأنه لن يتورط في سوريا، وأن يؤكد أهمية توطيد العلاقة مع إيران، التي تتمتع بنفوذ واضح في العراق وسورية ولبنان وفلسطين، وكان مهماً أن يعلن صالحي تفهمه لظروف الأردن، واستعداد بلاده للمساعدة في تحمّل أعباء اللاجئين السوريين، وأن تدرك أنه يمكن لعمان أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في الإقليم كله، ، وإذا كانت الخلافات هي سمة العلاقة بين البلدين، فإن الزيارة كشفت أنه من الممكن تنظيمها، والتوصل إلى تفاهمات، تقلل حجم التوتر في منطقة تغلي على صفيح ساخن.