TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اخشو شنوا

اخشو شنوا

نشر في: 8 مايو, 2013: 09:01 م

 

في مدرسة الخنساء الابتدائية للبنات في عشار البصرة البهية، كانت محطتي الأولى في مسيرة: الـ..ألف باء، المعرفية. حينذاك، حيرتني لافتة ضخمة عريضة طويلة تتوسط مساحة من الجدار الفاصل بين غرفة المديرة (زكية عمسو) عليها الرحمة، وبين غرفة المعلمات.
كلما هممت بقراءة ما خط عليها، اصطدمت عيناي بحرف الشين مكررا، فيلتبس علي الأمر، وأوقن إن في الكتابة خطأ ما، لم تميزه غفلة وجهل صبية في العاشرة.
ولغرض إثبات الذات –ربما- وترويج وإظهار ما كنت أحسبها فطنة –ربما- وجدتني ذات يوم أرفع سبابة مترددة، خجولة، لأسأل معلمة العربي، وكان اسمها سعاد عازر:
- ست سعاد، لقد اكتشفت خطأ فظيعا في اللوحة المعلقة، ولا بد من تصحيحه!
ووجدتني في غمرة ارتباكي أشرح للمعلمة ماهية الخطأ الفظيع! والمعلمة الجميلة الأنيقة، التي عرفت بصرامتها ورقتها، في ذات الوقت، تصغي إلي بصبر جميل، وابتسامتها تتسع، حتى لا أكاد أدري أهي ابتسامة هزء أم تشجيع. لم توبخني ست سعاد، ولا نهرتني، ولا عيرتني بجهلي، إنما انتهزتها فرصة مواتية لتشرح لي، ولتشرك معي كل طالبات الصف الرابع مضمون ومعنى تلك الحكمة البليغة التي ينسبها البعض للإمام علي بن أبي طالب. :(اخشوشنوا فإن الترف يزيل النعم).
من يومها، والمعنى الكامن خلف الحروف، لم يبارح ذاكرتي، ولا منهجي، أجده يطل برأسه كلما صادفت بذخا حد الكفر، وترفا باذخا حد اللعنة.
لماذا تراني أستحضر ذكريات عفا عليها الزمن، وأستعيد ملامح حكمة تكاد تكون منسية، كلما قرأت عن ترف وبذخ أهل السلطة في هذا البلد أو ذاك، وعبر أقطار المعمورة، يستوي شرقها وغربها.
الرفاه غير الترف، فالأول مطلوب ومبارك، والثاني مذموم.
كلما ساورتني نفسي بالكتابة عن بذخ عيش الرئيس المصري السابق وعائلته، ألجم إرادتي بلجام محكم، فالتمثيل بالجثث حرام، ومقولة: ارحموا عزيز قوم ذل، ماثلة لم تبرح الأذهان قط، لكن الأخبار المتواترة عن البذخ الكافر، والتي تتضخم كل يوم، تستدعي وقفة، ولو على عجالة.
تذكر الأخبار عن جردة اولية لسوزان مبارك، ما لو صحت الأخبار: إن ثمن قلادة واحدة من قلاداتها الماسية العشرة بلغ خمسة ملايين دولار! ذكرت تقارير الجرد، إن في حوزتها 27 خاتما ماسيا، وآخر ظهور لها قبل الإطاحة، زينت ياقتها ببروش قيمته سبعة ملايين جنيه.
كانت حين تذهب للتبضع في روما وباريس ونيويورك تنفق مليون دولار في اليوم الواحد، وفقا لمعلومات من مركز (تايسون التجاري) وبعض المرافقين.
كانت تعاف مذاق الفول والطعمية عند إقامة الولائم الباذخة لكبار القوم – لاسيما الأجانب منهم،، حيث يأتيها الطعام طازجا ساخنا من مطاعم (ماكسيم) في باريس وغالبا ما كان يرافق الطلبية، طهاة وسفرجية من بلاد السين، تحملهم طائرة خاصة، يتولى الإشراف على المهمة ضابطان مصريان مكرسة خدماتهما لهذا الغرض.السيدة، ترأس أكثر من 15 جمعية ومؤسسة، تشغل مناصب فخرية في أندية الروتاري بمصر، إلى جانب رئاسة مجلس أمناء جامعة الإسكندرية، منحت شهادة الدكتوراه الفخرية في الآداب، اكثر من 160 مدرسة في عموم مصر تحمل اسمها. أرصدتها موزعة ومبعثرة في مصارف سويسرا وباريس.. و..
*من يعيد للحكمة البليغة، مهابتها وجلالها ويصرخ بأعلى صوت، عل من به صمم يسمع ويعي: أيها القوم إياكم وبطر الترف، واخشوشنوا، فأن الترف يزيل النعم.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. حسن

    لمصر دكتاتور واحد امضى ثلاثون عاما في الحكم, لدينا عشرات الدكتاتوريات وكلهم لديهم سوزاناتهم بعد سنوات قليلة من الحكم , احدى هذه السوزانات تزوجت حديثا مسؤولا في الدولة اعلى من منصب وزير وحصل خلافا ادى الى خصام ثم محاكم ثم فضائح حول تقاسم الملكية , الزوجة ت

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram