TOP

جريدة المدى > عام > قصيدة بيلاروسيا

قصيدة بيلاروسيا

نشر في: 10 مايو, 2013: 08:01 م

إلى : عبد الأمير جرصوأخيراً، قررت أن أموت هنا تحت ثلوج روسيا البيضاء  تحت خطوات فتياتها الرشيقات حيث ضحكاتهنّ تبدّدُ وحشة المساء هنا في هذه الغابة البعيدة لا أحب أن أموت في وطني لا أحب وحشة الرمال وكآبة الملح  لا أحب أنْ يتراصفَ قبري

إلى : عبد الأمير جرص

وأخيراً، قررت أن أموت هنا

تحت ثلوج روسيا البيضاء 
تحت خطوات فتياتها الرشيقات
حيث ضحكاتهنّ تبدّدُ وحشة المساء
هنا في هذه الغابة البعيدة
لا أحب أن أموت في وطني
لا أحب وحشة الرمال وكآبة الملح 
لا أحب أنْ يتراصفَ قبري بشاهدة كئيبة
بين قبور أصدقائي الذين أخذت الحروب بأيدهم وناموا هناك مفزوعين من ملاك الموت وشراسة الأسئلة، 
 
وكجندي قديم، 
كمحاربٍ سابقٍ في السهول والجبال والاهوار 
يحقُ لي، بعد أن تركتني الحرب أتنفّس بلا سببٍ سنواتٍ أخرى
يحقُ لي،
أن أختارَ تلالَ الثلوجِ تلك، لأرقدَ تحتها بأمانٍ وفرحٍ غامض
وفي الواقع، لم تكن الأمور سيئة لهذا الحد،
كانت الحياة في وطني رحلةً ممتعةً أحيانا
وشاقةً في أحيان أخرى 
لكن الموت تحت الثلوج البيض 
يعدٌ نهاية مناسبة لروحي 
روح المحارب القديم،
 
ألوّح لكِ أيتها الأرض البعيدة
ألوّح لك يا وطني
ألوّح لك يا أمي 
بيدٍ مرتعشة 
وبدموع أليفة
ألوّح لحبيباتي 
واهديهنّ سنوات الشباب المجيدة
سنوات الثمانينيات حيث تقافزت أعوامي مثل جزذان سود وراء
السواتر
بين المزاغل والخنادق، 
هناك على خطِ النار
في الفاو وبحيرةِ الأسماك
على جبل "ماوت " في كردستان 
وتلال كيسكا في مندلي
حين تعزف المدفعية والهاوانات 
أكثر موسيقاها صراحة
ليمضي الجنود، مرة في إجازة 
ومرة أخرى الى المقبرة
ألوّح لك يا مدينتي 
ألوّح لشارع الرشيد
لتمثال الرصافي
للنهر والنوارس الدائخة 
وأرصفة الوزيرية والباب المعظم 
بيدِ محاربٍ قديم 
بيدٍ تطلقُ الرصاصَ في العراء 
عندما كانت الـ (بي كي سي) هي كل ما املك على خط النار، 
ألوّح بيدٍ خاملة تطلق الرصاص في العراء 
وأحيانا تكتب كلماتٍ باسمٍ مستعار 
من اجل الأجيال الجديدة وراحة البال
 
هكذا اقترب من ثلوج عام 2013
مودعا حرارةَ الشمسِ اللاهبة
وبقايا الغبار 
مودعا تلك الحماقات التي طبعت سنوات حياتي
لكم يكون المرء محظوظا عندما يتاح له 
وبحرية كافية ان يختار الثلوج الناصعة البياض غطاءً لنومتهِ الأخيرة 
 
في ما تبقى من السنوات 
سأعيش في كوخ صغير
على مشارف مدينة منسك 
اسمع موسيقى موتسارت وشوبان وبيتهوفن
وعندما يأتي الربيع وتطير الفراشات قرب النوافذ الندّية سيكون فيفالدي هو الحل المناسب، 
سأقرأ هوسرل 
ومارتن هيدغر 
وميرلوبونتي
ليس لأعرف ان "الوعي هو نفسه الوجود الإنساني الملقى به في هذا العالم" 
وإنما لأمنح حياتي معنىً عميقاً
يبرر موتي في ثلوج روسيا البيضاء،
روسيا البيضاء التي مررت بها صدفة
وأخيراً، قررت أن أموت هنا
تحت ثلوج روسيا البيضاء 
تحت خطوات فتياتها الرشيقات
حيث ضحكاتهن تبدد وحشةَ المساء
هنا في هذه الغابةِ البعيدة

منسك 2013

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 10

  1. Baydaa

    It s realy great one dear khalid ,, love it

  2. suaad alrawi

    أبيـــااات قمه في الروووعه وتحمل معااني جميلة

  3. شيماء

    ابيات مؤلمة..نقلتني الى عوالم سمعت عنها ولم اراها..لدي فضول اعرف اكثر عن خالد مطلك..

  4. warda

    اختيار المكان الاخير حلم لا يتاح لاي كان هنيئا لك هذه الفرصة

  5. حسن مراد

    قصيدة صادقة ومعبرة وبأسلوب الكبار

  6. علي رحماني

    احسنت ايها الرائع الجميل كلمات تدخل القلب دون قلق او اسئذان في زمن غاب عنه الشعر الصافي الراقي تمنيت ان اقبل وجهك الساعة لان كتبت نيابة عني وبوحك اجهدني ....تحياتي

  7. مظهر محمد صالح

    انها قصيدة الهروب حيث الحرية في جبال الثلج!! ولكن اروي لكم هذه الخاطرة وانا ابحث عن الموت في ذلك الجبل الجليدي الذي نسميه مقبرة الاحرار! تعد بلوروسيا موطن اجمل نساء الكون! حيث غرف (الفايكونغ )من نسائها ليصبحن زوجات في الحقب السحيقة والحروب الهمجية الى حد

  8. كولالة نوري

    قصيدة جميلة جدا جدا ومليئة بانين يمليء راسنا وقلوبنا نحن العراقيين

  9. بديعه

    هربنا من ظلم صدام الذي كانت مخابراته و حزبه منتشره في كل بيت تعد علينا انفاسنا. فمن الذي يكتم انفاسنا اليوم!! الامريكان و اعوانهم خريجوا مراكز المخابرات الامريكيه المنتشره بل المحتشده في كافة الدول العربيه و الاسلاميه . اصبحنا مضحكه .. يضحكون علينا بال

  10. بديعه

    يبدو اب تعليقي السابق اليوم لم يرق لادارة الجريده!! وانا على يقين ان ادارة هذه الجريدة و كافة ادارات مؤسسات الاعلام تعرف جيدا بان امريكا لم تخط خطوة واحده و لا مجرد حركه نحو السيطره على العرب و المسلمين قبل ان تتأكد تماما و بما لا يقبل ادنى شك بانها وضعت

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

في مديح الكُتب المملة

مقالات ذات صلة

في مديح الكُتب المملة
عام

في مديح الكُتب المملة

كه يلان محمدرحلة القراءة محفوفة بالعناويــــن المـــــــؤجلة مواجهتُها، ولايجدي نفعاً التسرعُ في فك مغاليقها.لأنَّ ذلك يتطلبُ مراناً، ونفساً طويلاً وتطبيعاً مع المواضيع التي تدرسها تلك الكُتــــب.لاشــكَّ إنَّ تذوق المعرفة يرافقه التشويق باستمرار،لكن الـــدروب إلى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram