ترجمة/ عادل العاملعندما وضع الكاتب الأرجنتيني خورخ لويس بورخيس كتابه هذا، جعله من 82 وصف يأخذ صفحة أو صفحتين في ما يتعلق بكل شيء، من البورميتز Bormetz، (نبات صيني يشبه في شمكله الخروف ويغطيه صوف ذهبي اللون)، إلى السيمَر Simurgh، (وهو طائر خالد يقيم عشه في شجرة العلم) والزاراتان Zaratan، (وهو حوت مكَّار بشكلٍ خاص)،
في " مختارات علم الحيوان الخيالي " في عام 1954. وقد أضاف 34 وصفاً آخر، معها الرسوم البيانية، لطبعة عام 1967، التي أعطاها العنوان الحالي، " كتاب الكائنات الخيالية "، وقد صدرت بالانكليزية في عام 1969. وهذه الطبعة، بترجماتٍها الحالية ورسومها التوضيحية الحديثة، تمنح الكائنات حياةً جديدة. وهي تبيّن المؤشرات الرائعة لتأملاتٍ بورخيسية كلاسيكية في كل شيء، من علم أصول المفردات الأنجيلية إلى العالم السفلي، وتعطي المخلوقات شكلاً متناسباً تماماً. و قد جاء في عرض لصحيفة واشنطن بوست في ما يتعلق بهذا المخلوقات أن مجرد تسمياتها تبدو سحرية.. لاميا، باسيليسكا، هيبوغريف، فونيكس، مانتيكور، غوليم، سايرين، ماندريك... وسواء كانت مخلوقات أسطورة أم ادّعاء، فإن هذه " الكائنات الاستثنائية " تندس إلى الأبد في ارتدادات خيالنا، وهي تقتل بنظرة واحدة، أو تنهض من رماد حرائقها الجنائزية، أو تغوي البحّارة بأغنية. إنها مادة حكايات المسافرين، حبث تختفي قليلاً فقط وراء الأفق، في مكانٍ ما في مملكة بريستر جون الزاخرة بالأعاجيب أو حيث غدت زائلةً فقط في تلك الأقاليم الضبابية المؤشَّر عليها بعبارة: " هنا توجد تنانين ". فكم كانت ستصبح بائسةً حيواتنا، وبوجهٍ خاص طفولاتنا، من دون أحلام تلك الكائنات الخيالية كالقنطور، والجن، وطيور الرخّ العملاقة! عندما كنت أنمو في الخمسينيات وأوائل الستينيات، لم تكن هناك تسلية لقضاء أمسية السبت أفضل من زيارة لدار السينما حيث تعرض أفلام مثل " جَيسون والمغامرون "، " رحلة السندباد السابعة "، أو أي فلم من أفلام هرقل. وهي أفلام زاخرة بالأعاجيب المستحيلة والوحوش الغريبة. لكنها لم تكن مخيفةً على وجه الدقة، وإنما ببساطة وبشكلٍ رئيس مثيرة للدهشة. فأنت يمكن أن ترتجف قليلاً حين تهجم الخفافيش الخرافية التي نصف جسمها امرأة والنصف الآخر طير، أو حين يظهر الجنّي من المصباح، لكنك تشعر على الأكثر بشيءٍ ما من الرهبة. ولا يسعك أحياناً إلا أن تميل إلى صديق في المقعد المجاور هامساً " إن ذلك بارد، يُُصيب الواحد بالقشعريرة ". وهكذا كات الحال. إن الخرافي الأرجنتيني العظيم خورخ لويس بورخيس (1899 ــ 1986) لم يتدفق أبداً كواحد في الثانية عشرة من عمره، لكن بإمكانك أن تقول إنه يجد المواد الـ 116 في (كتاب الكائنات الخيالية) باردة إلى حدٍ ما أيضاً. فكل مادة تُشغل صفحة أو صفحتين وتركز إما على وحشٍ واحد مثل البَهيموث أو الشيمرا أو أنها تلخص معرفتنا الأساسية عن الأرواح الأنثوية المولولة، مثلاً، والسِّلفات السماوية، والساطيرات، (آلهة الغابات عند الأغريق). إن بورخيس يراوح على نحوٍ واسع في الزمن والمكان معاً، ويضمِّن الأودراديك (الذي يظهر في قصة لكافكا)، والملائكة الذين لمحهم الفيلسوف الروحاني إيمانويل سويدينبورغ، وحتى حيوانات الحكايات الطويلة من الغرب الأميركي: الغوفانغ، مثلاً، الذي " يسبح بالعكس وبذلك لا يدخل الماء في عينيه. وهو بالضبط بنفس حجم سمكة الشمس الضخمة، فقط أعرض ". ويورد بورخيس في كل صفحة تقريباً بعض التأكيدات أو الحكايات النادرة، من قبيل: " يخبرنا ديكارت بأن القرود يمكنها أن تتكلم إذا أرادت ذلك، لكنها قررت أن تبقى ساكتةً من أجل ألا يرغمها البشر على العمل ". أو أعلن أسقف دانماركي من القرن الثامن عشر بشكلٍ لا جدال فيه أن " الجزر الطافية كراكين على الدوام " (والكركن وحش خرافي اسكندنافي). " أما الكائن الذي يُدعى بالداندرز فهو، كما نعلم، يتطوع أحياناً لتعليم فن التكلم مع الأشياء التي تكون بطبيعتها بكماء، مثل الكراسي والمصاطب، والقدور وغلاّيات الشاي ". و كما يمكن للمرء أن يتوقع، فإن بورخيس ليس بشيءٍ إن لم يكن مستودعاً لكل نوع من التوافه العتيقة النادرة. وليس مدهشاً أن تتخذ بعض مواد كتاب الكائنات الاستثنائية هذا شكل بعض شخصيات بورخيس. ولنتأمل الصفحات المتعلقة بـ " الحيوانات التي تحيا في المرآة ". فوفقاً للصينيين... لكن دعونا نستمع للأستاذ وهو يحكي لنا القصة: " في تلك الأيام، لم يكن عالم المرايا وعالم البشر، كما هما الآن، منفصلين وغير مرتبطين أحدهما بالآخر. وكانا، أكثر من هذا، مختلفين بعضهما عن بعض تماماً؛ كما لم تكن المخلوقات ولا الألوان ولا الأشكال الموجودة في العالمين هي نفسها. كانت المملكتان ــ المرئاتية والبشرية ــ تعيشان في سلام، وكان الواحد يمكنه أن يدخل ويخرج من خلال المرايا. وعلى كل حال، ففي إحدى الليالي قام سكان المرآة بغزو هذا العالم. وكانت قوتهم عظيمة، لكن بعد معارك دامية كثيرة، تغلَّب سحر الإمبراطور الأصفر. وقد صد الإمبراطور الغزاة وسجنهم داخل المرايا، وعاقبهم بجعلهم يكررون، مثلما في نوع من الحلم، كل أفعال قاهري
بورخيس.. وتوافهه العتيقة النادرة!
نشر في: 31 أكتوبر, 2009: 04:35 م