مّن قال "لا تعلّم اليتيم البكاء" قطعا يقصد أن من يعيش المصيبة ويحسها لا يحتاج إلى من يدله عليها. مع هذا يصرّ بعض أصدقائي على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي على إبكائي برسائلهم التي يضمّنونها حكايات وصورا عن حال العراقيين في ظل دولة القانون. البارحة خصّني أحدهم بمجموعة روابط إلكترونية تتحدث عن جحافل صبّاغي أو ماسحي الأحذية في العراق. أنهى رسالته وكأنه يعاتبني: دكتور ترضه ابهاي؟ لم أجد غير أن أكتب له أنك "تتوجه بيّه وأنا من الميت أطلب حيل". لا ألوم من يلجأ إلى الإعلاميين بهمومه رغم علمه أن ما يشكوه يخص الحكومة. كيف ألومه وأنا أعرف جيدا بأن حكومتنا ليست من أكثر حكومات الدنيا فسادا وتخلفا، حسب، بل وأشدها طرشا؟
قبل أن يكتب لي هذا الصديق كنت قد فكرت في الكتابة عن ظاهرة صبّاغي الأحذية، خاصة الأطفال منهم. تجنبت الكتابة حتى لا أشعرهم بالذل لأنها، مهما أقول فيها، تظل مهنة رغم أنها قاسية وينظر لها مجتمعنا نظرة دونية. ومثل أهون الشرّين فإنها تبقى أهون من ذل الجداوة والنبش في المزابل عن كسرة خبز. منعني من الكتابة عنها تذكري لبيت شعر قاله الصافي النجفي في قصيدة "صبّاغ الأحذية":
قلت: أحبوه درهما، غير أني
خفت من أن يذله إكرامي
خطر ببالي اليوم أن أحيل بعضا من روابط الهم والكدر التي وصلتني إلى الدكتور إبراهيم الجعفري. ربما لأنه رئيس التحالف الوطني الذي بيده أمر تحديد الحاكم. أو لأن الحاكم الفعلي مصاب بوعكة صحية أتمنى له، من كل قلبي، الشفاء العاجل منها، ومن كل ما قد يعانيه من أمراض قديمة أو جديدة. أو، وربما، وهذا هو قد يكون مربط فرسي، أن الجعفري عاش ببريطانيا وأظنه يحمل جنسيتها. قبل أن أحيل له رابطين فقط مما وصلني حتى لا أشغله كثيرا، أود أن أساله بالبيت الذي حجه وبعدد حملات الحج التي قادها بنفسه صوب بيت الله ومسجده الحرام: هل شاهدت طيلة حياتك ببريطانيا طفلا يفترش الرصيف ويتوسل بالمارة كي يصبغ أحذيتهم؟ ولأنك تعلم يا أبا أحمد بأن خيرات العراق تضعه في مقدمة الدول التي تسمى "نفطية": هل صادفك أو مر ببالك أن يكون هناك طفل إماراتي أو كويتي أو قطري يصبغ لك حذاءك؟ فما الفرق بين أطفالهم وأطفالنا؟ أقسم لك، ليس من باب التعصب أو التحيز، بأن أطفالنا أجمل وأذكى وأحق بالعيش الكريم مثل أطفال البلاد التي ذكرتها؟ ماذا ستقول لنفسك، ولا أقول لربك، لو أن حفيدا من أحفادك، يصبغ أحذية في الشوارع؟ وبالمناسبة، هل لديكم من هؤلاء الصبّاغين في خضرائكم؟
ختاما، أحيل لك الرابطين مع نص السؤال الذي وصلني "دكتور ترضه ابهاي؟"، وذلك حسب العائدية:
http://baghdad-daily.com/news.php?action=view&id=3636
http://www.youtube.com/watch?v=ARN4ssQCsHs