لا يكاد يسجل المواطن العراقي في مفكرته الشخصية أي لحظة ظفر، عام أو خاص، فهو ابن الهزائم الشنيعة، وكانت، وستكون هزيمته أشنع إذا ما انخرط في "الكفاح السياسي" من أجل "المستقبل المشرق" للشعب والوطن.
العراقي الذي توهّم بأنه خارج أي "كفاح سياسي" وغير معني، أبداً، بأي "مستقبل مشرق" ليكون بمنأى عن العقاب والثواب فقد توهّم فعلاً وسيكون برسم الهزيمة لسبب بسيط يتلخص بأن الهزائم تطال الجميع من انخرط ومن تعفف ومن استنكف.
حتى الظافرون ممن أسعفتهم الصدفة السعيدة لتضعهم في واجهة السلطة/ المشهد، فهم مهزومون من نوع خاص لأنهم سيمضون حياتهم في تبرير إخفاقات سلطتهم/ مشهدهم رغم الظفر الشكلي الذي ينعمون به كمتنفذين سلطويين يتذوقون طعم ملاعق الذهب في أعمار متأخرة.
الهزيمة ثقافة محلية، بلا أبطال ولا شهداء، عندما تغيب قيم المواطنة والمواطن بينما تحفل ثقافة العالم بانتصارات فردية وجماعية، عبر مؤسسات مدنية، حرة ومستقلة، فاعلة وجديرة بالاحترام، وهي مؤسسات لم تقم من الفراغ ولم تدعمها الدولة مالياً أو معنوياً، إنما هي ثمرة الحق الاجتماعي في تأسيس أدوات ووسائل التعبير مكفولة قانوناً وعرفاً في مجتمعات دفعت أثماناً باهظة لبلوغ مرحلة النضج الأخلاقي والقانوني، منذ نشوء فكرة المساواة وحق الاقتراع المتكافئ بغض النظر عن تحقيق فكرة العدالة الاجتماعية التي نقلت القرن التاسع عشر إلى أبواب الفكر الطبقي لتستبدل فكرة المساواة السياسية بمبدأ العدالة الاجتماعية والفضل يعود، هنا، لليهودي العبقري صاحب رأس المال وراصد الشبح المخيف الذي كان يجول في سماء أوروبا.
ضاق وجهاء أوروبا بمبدأ المساواة السياسية بين الأمير والخفير وهما يتوجهان معاً إلى صناديق الاقتراع، وغضبوا لضياع التراتب التقليدي في المجتمع ونقاء الأرستقراطية التليدة، لكن الخيار الديمقراطي، على سوئه، لاختيار الحكومة كان لا بدّ منه، وإن كانت طائفة كبيرة من المجتمع، تقارب نصفه، مستبعدة عن حق الانتخاب هي طائفة النساء.
في العراق لم تنبن فكرة المساواة السياسية على ضوء تجربة التراكم الكمي والتغيير النوعي في الأفكار، إنما سار الجميع بقوافل مليونية نحو مراكز الاقتراع ليدلوا بأصواتهم الخائفة، قليلة الخبرة والحيلة، فكان أن تجسدت المساواة السياسية ليس في أسوأ أشكالها، إنما لتدخل المواطن مدخلاً ضيقاً في آلية المحاصصة وما يسمى بالديمقراطية التوافقية، لتشكيل حكومة جديدة يجادل أفرادها بأنهم يمثلون إرادة الأغلبية!
وجد المواطن العراقي نفسه وقد هزم مرتين، مرة بأدوات القمع الدكتاتوري أيام صدام حسين، والثانية أيام ديمقراطية بريمر وأزلامه الفائزين بالانتخابات.
ليتهما هزيمتان، حسب!
لا يجد المواطن المهزوم عزاء أو تأسية جراء ما يتهدده من عنف بغياب الدولة وقوانين الحماية التي توفرها سوى اللجوء إلى الجماعة: طائفة، كتلة، قومية، عشيرة..إلخ. وتتناسب معايير الجماعة طردياً كلما صعدت روح التعصب والتعصب المضاد، فلا يأبه، عندها، أحد بحقوق أحد، وما التوتر السياسي في ما يسمى بالمناطق الغربية من العراق، إلا سبب في استقطاب طائفي مقابل في مدن العراق الجنوبية، بل تعزيز لالتفاف طائفي جديد حول رموز سياسية في الدولة وسلطاتها ومؤسساتها ضاق الناس ذرعاً بفشلها المرموق طيلة السنوات الأخيرة بعد أول انتخابات عامة.
كتب والت ويتمان قصيدة من كلمة واحدة تتلاشى تدريجاً كالآتي:
الديمقراطية
الديمقراطي
الديمقراط
الديمقرا
الديمقر
الديمقـ
الديمـ
الديـ
الد
الـ
أ.