TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ثمن هدوء أمة "ما ننطيها"

ثمن هدوء أمة "ما ننطيها"

نشر في: 13 مايو, 2013: 08:01 م

يحاول الجميع بحذر التكيّف مع الحقائق الجديدة والدراماتيكية لاقتراع المحافظات. سؤالها الكبير هذه اللحظة: هل نضرب المالكي بقوة ونعزله عن حكم ٩ محافظات، أم نحتفظ بدرجة جنونه الحالية ونعمل على تهدئته كي لا يقوم بتصرف مجنون في الشهور الأخيرة التي بقيت له على كرسي السلطنة؟
ان اللعبة الانتخابية في الشرق الأوسط تعاني من عيب واحد. الاقتراع كوسيلة حديثة للحكم، يخضع لحسابات ما قبل الحداثة السياسية.
وداخل الساحة الشيعية التي شهدت انتخابات كاملة بلا تأجيل كالذي حصل في نظيرتها السنية، يقف فريق "شيعة ضد الحرب" متفوقا بمقاعده على أمة "ما ننطيها" بشكل واضح. أي أن في وسع الصدر والحكيم وباقي معارضي التصعيد مثل التيار المدني ومرشحي مجموعات النفوذ المستقلة ورجال الأعمال الساخطين، ان يبدأوا تصحيحا للمسار داخل الحكومات المحلية. أربعة أعوام مرت على المحافظات سارت فيها الأمور بمنطق الإخضاع وضاعت فرص التقدم، وجرى خلط الخدمي بالسياسي، كما تم ابتلاع كل شيء تقريبا من مديريات ومخصصات وحق صناعة القرار.
التصحيح ليس مجرد أمر منطقي، بل يمكن أن يبدد اليأس من إمكانية التغيير، ويشجع الناخبين الذين قاطعوا الصناديق، على الذهاب الى انتخابات ٢٠١٤ بأمل تقدم بات هناك ما يشجعه.
لكن "شيعة ضد الحرب" يدركون أنهم في مواجهة حكومة مركزية استولى عليها طرف واحد. وهذا الطرف إذا ما تعرض لتقليم أظافر قاس، فسيتفاقم جنونه ويدخل مثل "فيل في دكان فخاريات" حسب التشبيه المفضل لدى الكواكبي، ويقوم بإدخال الجميع في حفلة "تكسير" رهيبة لكل شيء. لذلك وبدل أن تكون مفاوضات تشكيل الحكومات المحلية، فرصة لتصحيح سياسي وإداري وصناعة بديل عن النموذج الفاشل في عشرات المدن، فإن التفاوض سيظل محاولة "ضبط للنفس" ومساومات حذرة، ندفع ثمنها جميعا، وتهدر جزءا أساسيا من معنى المكاسب الديمقراطية. وفي هذا شيء من خسارة فرص المراجعة التي تكبدها الجميع عام ٢٠١٠.
ولذلك يقول العارفون ان "التغيير" سيبقى هادئا نسبيا في الحكومات المحلية، برغم أن "امة ما ننطيها" ستتكبد خسارات واضحة، وعلينا الانتظار حتى اقتراع ٢٠١٤ كي نرى مزيدا من التقدم في محاصرة ذلك الفريق السياسي المتسرع والمتهور والذي لم يعد مورد ثقة احد.
إن اللعبة الانتخابية في الشرق الأوسط تعاني من عيب واحد. الاقتراع كوسيلة حديثة للحكم، يخضع لحسابات ما قبل الحداثة السياسية. هناك دوما دبابة تتحرك حول صندوق الناخبين وترمق النتائج بحذر. وهناك دوما أحكام قضائية يمكن ان تستصدر في أي لحظة للإطاحة بأرفع المحاربين هامة وقامة، ومافيات بيضاء وسوداء يمكنها استخدام اخطر أنواع الفيتو.
هنا يواجه السياسي في بلادنا مأزق التوفيق بين حسابات الحداثة السياسية ومفاهيم انتقال السلطة ليبراليا، ومخاطر الإرث السلطاني في حكم البلدان، بقواعد القرون الوسطى، حيث لا أخلاق تفاوضية ولا خطوط حمر.
العراق وإيران وباكستان ودول المنطقة الأخرى هي نموذج تأمل رهيب في هذا المجال. وفي إيران التي تشهد انهيارات اقتصادية لم تكن متوقعة منذ سنة، على الجميع أن يحبس أنفاسه وهو يرى مواجهة جديدة بين رفسنجاني الذي دخل اللعبة "في الدقيقة ٩٠"، وفريق احمدي نجاد الذي يرشح صهره رحيم مشائي ويرفع شعار: "تخليص إيران من حكم العوائل العشرة التي تحكمت بالبلاد منذ الثورة" ليحاول صناعة حلم مشاركة لفئات كثيرة مهمشة داخل الوسط المتشدد نفسه. وبينهما ترتسم حيرة المرشد خامنئي الصعبة ولديه أكثر من مرشح أبرزهم مستشاره اكبر ولايتي، وهي حيرة تحميها أجهزة قمع وسلطة سجون رهيبة وعزلة قاسية عن الكون.
لا ندري ماذا سيحصل في حزيران إيران، لكن جريدة كيهان المقربة من المرشد كتبت عن خاتمي ورفسنجاني قبل ان يترشح الأخير، افتتاحية عنوانها "أموات سياسيون" وحذرت الإصلاحيين الكبيرين من الترشح. ان دخول رفسنجاني يحرج كل تيارات المحافظين، ويمكن أن يمنح أملا لقطاع إيراني واسع بسياسة تهدئة في الداخل ومع العالم، لكن الصناديق لن تكون كل شيء.
فبلداننا ظلت عالقة بين خيارات الحداثة السياسية وإرث الأخلاق السلطانية المليء بالقسوة. ان الحداثة لم تقنع نخبتنا بعد بقواعد عمل مشترك علمي مصممة بعناية لنحتكم إليها ونؤمن بها، وتراث السلاطين العتيق لم يعد قادرا على حماية نفسه في عالم متحول يتغير بسرعة.
اننا فيما يشبه العراء، سنظل دوما نتحرق للتغيير الكبير، وسيظل الحذر من المجانين الممسكين بالسلاح والقوة، عامل إبطاء لتاريخ التحول، كما هو منذ أحلام مصلحي الشرق في القرن ١٩.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. فؤاد الفيلي

    اريد فد يوم تكتب عن امة المفخخات والغدر التي تقتل الابرياء في الاسوق والشوارع وعن امة الخيانه التي تتحالف مع اعداء العراق من اجل تقسيمه ام ان قلمك يجف عندما يتعلق الامر بهذه الشرذمه الضاله ...ارجو منك جواب يا سرمد الطائفي ..عفوا الطائي !!

  2. Mohammed Abdulwahid

    Dear Sarmad, I can sense in-between the lines that you posses a hatred towards Al Maliki (I hope it is not personal). Just be careful that this obsession might cloud your judgement and compromise your objectivity and consequently will undermine your credi

  3. العابر

    وكل اناء بالذي فيه ينضح . من الطبيعي على اشباه الرجال ان يكونون رخيصين لدرجه انه يصل الى حد المتاجره حتى باقدس شئ الا وهو الوطن من اجل ارضاء غروره الناتج عن عقده تؤرقه مما تجعله يتخبط بكتاباته اويكون اجير يكتب للذي يدفع اكثر بغض النضر عن المصدر الممول . ف

  4. العابر

    وكل اناء بالذي فيه ينضح . من الطبيعي على اشباه الرجال ان يكونون رخيصين لدرجه انه يصل الى حد المتاجره حتى باقدس شئ الا وهو الوطن من اجل ارضاء غروره الناتج عن عقده تؤرقه مما تجعله يتخبط بكتاباته اويكون اجير يكتب للذي يدفع اكثر بغض النضر عن المصدر الممول . ف

  5. هادي علي

    أنا أتوقع انك ترى من خلال عين واحدة أو انك تغمض العين الثانية مقصداً طرحك ساذج وتفسيراتك مقصودة ولا تمت للواقع بصلة واهمها العراق ليس جنة الان والبشر اصبحوا ملائكة كلهم بس إلا تعتقد ان الحزب الذي تسميه انت الحاكم يخسر بعض انتخابات المحافظات دليلا ان العمل

  6. ابوكرارالفريجي

    امة ماننطيها هذه العباره بقيت في مخيلة الطائي ونسى امة (لاشيعي بعداليوم)ونسي امة(قادمون ياروافض) فهذا الاصطفاف واضح الملامح اما بخصوص بحثه في الجانب الايراني فانا انصحه ان يبحث في الجانب السعودي اوالتركي السلجوقي الجديد وحلم الولايات الاسلاميه المحدثه على

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram