اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أسلمة المردة والعفاريت

أسلمة المردة والعفاريت

نشر في: 14 مايو, 2013: 09:01 م

 

تختلف الثقافات البشرية عن بعضها البعض، وهناك دائما مفردات تختص بها ثقافة شعب ما. لكن هناك دائماً مفردات ثقافية موجودة في جميع الثقافات وبدون استثناء. وهذه المتشابهات تعبر عن سلوك يهدف إلى تلبية حاجات بشرية لا يمكن عرقلة تلبيتها. فالبشر في جميع الثقافات يأكلون وينامون ويؤسسون عوائل، لذلك لا تجد ثقافة شعب تحرم أياً من هذه السلوكيات، ولنفس السبب نجد بأن البشر في جميع الثقافات يصلون ويقدمون النذور ويرقصون ويغنون ويرسمون ويكتبون ويمارسون مختلف الفعاليات الثقافية. والسبب أن الذات الإنسانية تواقة للتعبير عن مشاعرها وأحاسيسها، واللغة وحدها لا تكفي للقيام بهذه المهمة. لذلك يحتاج الإنسان لفضاء تعبيري مفتوح يعبر من خلاله عن خصوصيات ما يشعر به. ومن هنا فإن أي محاولة تهدف إلى رسم قيود كثيرة على سعة الفضاء التعبيري الإبداعي فإنها ستنقلب الى ضدها.
ألم يحدث هذا الانقلاب على محاولات المؤسسة الدينية في العراق تحريم الغناء والرقص، نعم حدث، والاحتفالات الدينية الآن تشهد مختلف أنواع الرقص والغناء، التي تجري مع تحوطات بسيطة تهدف إلى حفظ ماء وجه بعض رجال الدين، الذين يخسرون دائماً عندما يحاولون مواجهة حاجات الناس. وقبل أيام كنت ماراً في أحد الأحياء المحافظة، وأدهشني رؤية مجموعة من الشباب يغنون ويرقصون بشكل مثير وعلني، فدفعني الفضول إلى الاقتراب، ولم تفاجئني معرفة ان الإطار العام للاحتفال هو مناسبة دينية، لكن ما فاجأني، هو اكتشافي أن منع الناس من الرقص والغناء خارج الدين دفعهم إلى سحب هذه الفعاليات إلى داخل الدين، وهكذا تحولت المناسبة الدينية إلى حفلة غناء ورقص مفتوح، فهل هناك أبشع من هذه الهزيمة؟
الطقوس الدينية ممارسة تعبيرية، لا يجوز كبحها، كذلك بقية الفعاليات التعبيرية الثقافية، وكما أن صدام فشل في أن يجبر العراقيين على النظر إلى دينهم من خلال كوة حزبه، سيفشل كل من يحاول أن يجبرهم على النظر إلى ثقافتهم من خلال كوة دينه. بعبارة أخرى اريد أن أقول: بان حال جميع من يحاولون أسلمة الثقافة هو بالضبط كحال صدام الذي حاول أن يُبعثن الدين، وفي كلا الحالين يكون هناك قليل خبرة بالطبيعة الإنسانية يحاول أن يحبس أحد عفاريت الإبداع داخل قمقمه الأيديولوجي الضيق، وأنا أدعو هؤلاء إلى جولة تفقدية للاحتفالات الدينية التي تجري في اشد مدن العراق تديناً، فهناك سيعرفون الحجم الحقيقي لمارد الغناء والرقص.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram