ليس علينا التهرب من الوقائع الراهنة بحثا عن تفاؤل مزيف. إن تغيير التاريخ يتم عبر القبول بشروطه، وامتلاك الشجاعة لرؤية الحقيقة حتى لو انطوت على أبشع المعاني. والمستقبل ينطوي على سوء دوما، وفي منطقتنا تكون الاحتمالات السيئة اكبر، ويكون خيار التفاؤل المتاح أمامنا هو ان ننخرط بمثابرة وتصميم في عملية "تخفيف سوء المستقبل".
اكتب هذا تعليقا على بضع رسائل وردتني من اصدقاء افاضل بعد نشر مقال "ثمن هدوء امة ما ننطيها" وعن معنى ان "يتأخر التغيير". او ان يتم القبول "بتغيير جزئي" انتظارا لاقتراع ٢٠١٤.
ومازلت مؤمنا بأن كثيرا مما حصل بعد خروج الأميركان حمل دلالات على أننا نتطور ونغدو اقدر على منع الاستبداد السياسي.
شباب شباط نجحوا في "تعرية" مزاعم السلطان. محور المراجعة بين أربيل والنجف كبح جماح الكثير من جنون السلطان. المظاهرات رغم كل شيء بلورت ممانعة أخرى وشجعت ظهور "شيعة ضد الحرب" حصدوا اكثر من ٥٠ في المئة من اصوات ناخبي الجنوب والوسط. القضايا الكبرى التي يفترض ان تنطلق منها المصالحة الحاسمة، صارت اكثر وضوحاً لدى الجميع. وأخطاء السلطان جعلت كل مراكز القوى قادرة على بناء تفاهم داخلي للعام المقبل واقناع الإرادات الخارجية بأن العراق غير قابل للابتلاع.
وقد كنت قبل أيام مع زعيم شيعي بارز اخذ يحدثني عن معطيات مهمة افرزها الاقتراع المحلي. وقد كان مليئا بالتفاؤل رغم إدراكه العميق لحجم السوء. نقل لي عبارات عتاب ساخنة تبادلها الجميع مع المالكي ونجحوا في منعه من "اقتحام الرمادي". وذكر ملاحظة مهمة عن ايران. فهو يلمس ان انشغال خامنئي بملف الشام وانتخابات الرئاسة الايرانية، "سيخفف تدخل الإيرانيين في العراق".
وفي الحقيقة فإن طهران تواجه اكثر من مجرد انتخابات، ويكفي ان نلاحظ بدقة ما يحصل مع رفسنجاني الذي لم ينجح المرشد في إقناعه بالبقاء بعيدا عن سباق الرئاسة.
وقبل يومين اجتمع اكثر من ١٥٠ نائبا متشددا واصدروا بيانا يحكم "بارتداد رفسنجاني" عن اهم مبادئ الثورة. لقد بدأوا حملة لاسقاطه، لكنهم ينبهون امثالي ثانية الى المراجعة التاريخية التي قام بها الإصلاحيون والمعتدلون داخل مطبخ الثورة هناك.
النواب المتشددون اغاضتهم تصريحات جريئة اطلقها الشيخ ذو الـ ٧٩ عاما، والذي قام بحماية الثورة لحظة وفاة آية الله خميني وبدأ بتخليص ايران من انهيارات حربها معنا. فقبل ان يترشح بساعات اصدر رفسنجاني بيانا مطولا يشرح مواقفه السياسية، وقام بالتركيز على قضيتين. الاولى رفضه لدق طبول الحرب مع اي كان، وضرورة الانتباه للتحديات الدولية، وللفقر والغلاء وانهيار الصناعة والزراعة. وكانت كلماته تلمح الى ان دور ايران في حروب المنطقة وقلاقلها الامنية، لا بد ان يخضع لاعادة نظر. اختصر الموضوع بكلمة "با اسرائيل سر جنك نداريم" اي لسنا في حرب مع اسرائيل. والنواب المتشددون أصيبوا بالجنون وقالوا ان هذا يضرب "المبدأ الثوري الجوهري" الذي وضعه اية الله خميني.
رفسنجاني الذي صار مدعوما من كل التيار الاصلاحي وهو تيار مراجعة فكرية وثقافية حاسمة انخرط فيه اكثر الايرانيين ذكاء وموهبة، تحدث أيضاً عن الاستبداد السياسي في بلاده والمدعوم بمبررات لاهوتية وفقهية. كل ايراني عليه ان يؤمن بولاية الفقيه ومتطلباتها بما في ذلك "التسليم الكامل" للمرشد. لكن رفسنجاني اختصر كل الاعتراضات في جملة "ليس لدينا اكثر من ١٢ اماما معصوما". وقال ان التخويل الإلهي ينحصر في الأئمة اولاد النبي، وما عداهم بشر يصيبون ويخطئون وليس هنالك ما يوجب الامتناع عن مناقشتهم ومساءلتهم.
كلام رفسنجاني يعرض بصرامة واحدة من ابرز مراجعاته. وبيان النواب المتشددين اعتبره بمثابة
التخلي الكامل عن متطلبات ولاية الفقيه، وطالب باجتثاثه ومنعه من الترشح للرئاسة.
لكن الرجل الذي اضطهده النظام ووضع بناته وأولاده في السجن، يحسن تصميم رسائل داخلية ودولية، ويعبر عن التطور المهم الذي تشهده الثقافة السياسية في بلاد فارس، ويرسم واحدا من اهم ملامح مستقبل التغيير في المنطقة، التي تشهد صعودا "اخوانيا ونجاديا ومالكيا" لكنها تتعرف على آلامها وتتمسك بقوة بأحلام أجيال من المصلحين الذين بشروا منذ ١٠٠ عام بمعنى الحرية، كشرط للتقدم والانخراط في العالم الجديد.. كخطوة للبحث عن معاركنا الحقيقية في مجالات التقدم البشري، بدل الانشغال بتقديس آلهة مزيفة، والتناحر على تحديد "الفرقة الناجية".
رفسنجاني يحاكم "العصمة السياسية"
[post-views]
نشر في: 15 مايو, 2013: 08:01 م
جميع التعليقات 3
ابو عمار
استاذ سرمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهنئكم واشد على يدكم على الكتابات القيمه لتشخيص الاخطاء وحتى للقيادات العليا للبلد ولكن بدون (غلط) وهذا هو ما نحتاجه الان (انتقادمثقف)واطلب من حضرتكم الكتابه عننا المتقاعدين وسوف اكتب لك تفصيليا (علما اعر
DR ADIL FAILY
Europe had also the rule of the Churchs and it was that time the era of regression and the religious wars.The separation of the theology from the politics brought peace democracy and progress.The religious governments must give the rule to the intellect
قاسم عبد اللة
بارك اللة فيك سيدي الفاضل..... حفظكم اللة ورعاكم.... كاتب ومفكر شجاع......