اجتذبت أفلام السيرة الذاتية صناع السينما بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، خاصة بعد النجاح الذي تحقق لفيلمين من هذا النوع هما (أماديوس)، و(غاندي)..
وخلال الفترة المذكورة ظهرت العديد من هذه الأفلام التي تفاوتت في مستواها الجمالي والفكري... ولعل سير الشخصيات التاريخية وخاصة تلك التي تنتمي للتاريخ القريب كانت هي الموضوع المفضل للمخرجين، ذلك إن الأفلام التي تتناول سير الشخصيات التاريخية، تكون عظمة البطل مشيئة، حسب تعبير الناقد الفرنسي اندريه بازان، بمعنى إنها ذات صلة بكشف التاريخ. ويرى إن المنظور المادي الديالكتيكي يدافع عن البعد الإنساني في البطل، بخلاف المثال الرأسمالي المجسّد بأفضل صورة بأسطورة”النجم”. التي تجسّدها أفلام السيرة الأخيرة والتي سنتوقف عندها مستقبلا في هذا المكان..
وسنتناول هذه المرة فيلم (تشي) للمخرج ستيفن سودربيرغ المنتج قبل ثلاثة أعوام.
وخلال اقل من أربعة أعوام احتفت السينما – بما يشبه إعادة الاعتبار – بشخصية المناضل والثوري ارنستو غيفارا، الايقونة التي زينت وما زالت قبعات وقمصان الشباب وأصبحت تعويذة لكل حركات التمرد والثورة في العالم، والتي يذهب بعضهم الى اعتبارها الشخصية الأشهر في القرن العشرين، ففي عام 2004 قدم المخرج البرازيلي والتر سيلرز غيفارا من خلال (مذكرات دراجة نارية) بفيلم يحمل الاسم نفسه عن رحلة الثائر مع صديقه البرتو غراندو على متن دراجة نارية في بقاع أميركا الجنوبية، فيما تصدى المخرج سودربيرغ لتقديم هذه الشخصية من خلال فيلم (تشي).. اختار هذا المخرج شخصية تشي بما تحمله من نفس ملحمي ودرامي ليعيد الاعتبار لشخصية غيفارا التي أصبحت رمزاً في كل أنحاء العالم بعد ان قدمتها السينما الأميركية قبل أكثر من ثلاثة عقود من خلال فيلم (تشي غيفارا) الذي رعته الـ (CIA) وقام ببطولته الممثل عمر الشريف كشخصية إرهابية قدم الفيلم بعرضه الأول كاملاً بجزأيه (تشي الأرجنتيني) و(تشي الفدائي) والذي يمتد زمنه الى أربع ساعات.
يتناول الفيلم في جزئه الأول الذي يعتمد على يوميات هذا الثائر الأرجنتيني ابتداءً من رحلته مع الكفاح المسلح منتصف خمسينات القرن الماضي وتعرفه على رفيق سلاحه كاسترو وانتهاءً بالإطاحة بنظام باتيستا، أما في جزئه الثاني فيتناول نقل الثورة الى إطارها العالمي حيث تجربة الكونغو الفاشلة، ثم بوليفيا ثم نهايته التراجيدية على يد الجيش البوليفي والاستخبارات المركزية الأميركية عام 1976، وبالرغم من إن الفيلم قدم كاملاً في أول عروضه، إلا إن حرفية سوندربيرغ، جعلته بجزأين أو لنقل بفلمين مختلفين في الأسلوب والتفاصيل، بل حتى الموضوع الذي يحيط بجانبين مختلفين من حياة هذا الثائر، الجزء الأول من الفيلم الذي يحمل عنوان تشي الأرجنتيني غلب عليه الإيقاع البطيء والهادئ بين ثلاثة أصقاع المكسيك وكوبا ونيويورك مقتفياً صعوده وتألقه الثوري.. واستطاع المكان وأيضا الجانب الحميمي من العلاقات الإنسانية.. ومشاهد معارك الشوارع التي نفذت بحرفية عالية، كل ذلك بأسلوب واقعي لا تخطئه العين، معززاً بمادة وثائقية جعلت –أي الفيلم- يتأرجح بين الدراما والدراما الوثائقية.. ويستهل سودبيرغ الفيلم بحوار تجربة صحفية أميركية مع غيفارا أثناء وجوده في نيويورك لإلقاء خطاب كوبا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1964، والحوار يستمر لنهاية الفيلم، عارضاً تجربته النضالية بأسلوب الفلاش باك، اما الجزء الثاني من الفيلم (تشي الفدائي) فالإيقاع أسرع، مع سرعة القرارات الثورية لمنظر حرب العصابات، وفي أماكن أخرى لتجربة إفريقيا وبوليفيا في خضم مسيرة الثورة العالمية، في هذا الجزء خفوت البريق أمام هول المصاعب، ومن ثم بداية النهاية لرجل شكلت حياته وموته أثرا مهماً في مسيرة الإنسانية، اعتماد الواقعية في فيلم سودربيرغ هذا لم يمنعه من الوقوف على مشكلات وأخطاء الثورة في أميركا اللاتينية، كما انه لم يعمد الى الاحتفاء بهذه الشخصية على طريقة التمجيد والشعارات.
الســـيرة فـي الســـينما
[post-views]
نشر في: 15 مايو, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...