TOP

جريدة المدى > سينما > آمـــــور (AMOUR) .. الحــب في الزمـن الصـعب

آمـــــور (AMOUR) .. الحــب في الزمـن الصـعب

نشر في: 15 مايو, 2013: 09:01 م

محمد علوان جبريحيلنا المخرج والسيناريست (مايكل هينكــه) الى لعبة مارس فيها الكثير من إسقاطات حياتيه، يحلم أن لا يعيشها يوما ما، لأنه الآن في السبعين من العمر، فقد اختار أن يصنع هذا الفيلم الكبير في كل شيء، كبير في القصة التي كتبها المخرج ذاته والتي ح

محمد علوان جبر

يحيلنا المخرج والسيناريست (مايكل هينكــه) الى لعبة مارس فيها الكثير من إسقاطات حياتيه، يحلم أن لا يعيشها يوما ما، لأنه الآن في السبعين من العمر، فقد اختار أن يصنع هذا الفيلم الكبير في كل شيء، كبير في القصة التي كتبها المخرج ذاته والتي حصل عليها على جائزة النقاد كأحسن سيناريو، وحصدت الممثلة الرئيسية التي اختارها المخرج بذكاء، الممثلة الفرنسية العملاقة التي اعتزلت أو كادت ان تعتزل، فأعادها المخرج، انها الممثلة الفرنسية ايمانويل ريفا.. أقول كانت إسقاطات حقيقية، منذ المشهد الأول حيث نشهد أن هناك أعمق واصدق قصص الحب بين امرأة ورجل وكلاهما في الثمانين من العمر، يؤدي دور الزوج عملاق السينما الفرنسية (جان لوي ترينتيان) بطل الكثير من علامات السينما العالمية بدءاً من الاغتيال وغيرها من الأفلام،
وبعد ان نتخلص من صدمة مشهد رجال الإطفاء وهم يقتحمون البيت ليكتشفوا جثة داخل شقة، نفهم ان الزوج والزوجة متقاعدان، كانا يمتهنان العزف وتدريس الموسيقى، يهيمن على الفيلم الإيقاع البطيء، بطء يتصاعد، نراه مؤثثا كما هي الشقة التي تدور فيها أحداث الفيلم، وفي دراسة شفرات الإيقاع البطيء، ندرك انه متعمد تماما، فالحياة وخاصة بعد الإغماء الأول للزوجة، تلقي بثقلها وبطئها على الأبطال، فالزوج، لايجد ما يضيء عتمة أيامه التي تتشابه في تقديم حبه، حب بلا حدود، كانا يجوبان المسارح، مسرح الشانزلزيه وغيره يستمعان الى اكبر المقطوعات الموسيقية التي يعزفانها في البيت على البيانو الكبير في شقتهما، التأثيث والبطء يتداخلان في ارتداء ملابسهما وخلعها، كل شيء مرتب بعناية، كل شيء محسوب، حتى عدد الكؤوس التي يحتاجها كل واحد منهما، يدخلنا المخرج في ضياع كل شيء بسرعة هائلة، يتضح ذلك في التيه على وجه جان لوي ترينتان في آخر الليل فزعا مما سيجري، حيث تتوالى الانتكاسات الصحية، يقدم لها خدماته الهائلة بحنو ابوي كبير لا يجاريه شيء، ومع لحظات الهذيان التي تتحول أحيانا الى رؤى فلسفية كبيرة مثل (لا يوجد هدف من الاستمرار في الحياة) على لسان البطلة او تلك الجمل المبتورة التي تعني الكثير (أنا لا أريد الاستمرار..!) رغم انه يقدم لها الكتب التي تحبها واغلبها روايات وقصص جميلة، يحملها من فراشها كما يحمل الطفل الى عربة العوق التي تكرهها، يعيشان اضطرابا هائلا.. الخوف، التوحد، يمضي وقته بين العناية بها وبين مدارات هلعه من مصير سيء، حتى ان جاره يقول له (ارفع القبعة لك لحسن تعاملك مع الوضع الحالي) وفي كل يوم يخسر الكثير، لا ينفع كل ما يفعله، يجند الخادمات،  لكنه يستغني عنهن بعد ان يكتشف اقل إهمال تجاه زوجته، يغني لها وتردد هي الكلمات خلفه قصائد... يتخللها القليل من الفلاش باك، وأي فلاش باك، لاشيء غير الموسيقى....  
على جسر الفينون.....  كلنا نرقص.... نرقص..  نرقص.. كلنا نرقص.. كلنا نرقص داخل حلقة)  
يقول عنها: انها تتحول الى طفل عاجز...  تسمعه ابنته وتستغرب إلا يوجد حل..  لاشيء..  ستسير الأمور الى ان ينتهي كل شيء وتردد هي حلمها الأخير..”رأيت أمي تتقدم على خشبة مسرح، وكان ثمة حفل.. رأيتها في الحفل بلا ثياب... وهو يتحمل بصبر عجيب...
عموما كان الفيلم..  يقدم لوحة محكمة.. تقوم على أداء سينمائي هائل، العيون وهي تراقب، الوجه الذي تحفره الأخاديد، الأصابع المرتعشة، والأقدام المضطربة التي بالكاد تسير، كل ما يجري، يجري في الشقة التي يتوحدان فيها وصولا الى لحظة الموت الهائلة التي يقوم بها الزوج بخنق الزوجة..  المشهد الذي يستمر لدقائق أشبه بالصفعة أو الحل الذي لا بديل سواه، الموت الرحيم..  الموت الذي يتخلل حديث طويل يتحدث فيه لها عن الخوف وأهمية ان يواجه الإنسان خوفه، حتى تلك اللحظة التي يظهر فيها بلقطة الكلوز.. الانفعالات الكبيرة والتيه في العيون وهو يكتب رسائل الى زوجته، التي يلبسها ثوبا جديدا، ويغطي جسدها بالزهور البيضاء التي يحرص بكل دقة على قصها بالمقص ويغسلها بالماء لكي تبقى متألقة تنبض بالحياة الملونة، يكتب لها الرسائل، وحيدا في شقة أغلق كل منافذها عدا فتحة الشباك التي تدخل منها الحمامة، ويكتب لزوجته عنها، بانه قام باصطيادها، لكنه حررها فيما بعد.
صحيح ان البطء كان يشكل ثقلا على المتلقي، لكن السحر الذي تخلل المشاهد، هو عبقرية الإيقاع البطيء الذي لا نستطيع التخلص منه بسهولة، تبقى الصور ملتصقة في الذاكرة ولا تغادرها بسهولة  وتشكل الإيقاع البطيء على حركات أجساد الممثلين، تحريك الأطباق، صوت الأقدام وهو تضرب الأرضية المفروشة، كتب تسقط، ملاعق تسقط على أطباق، صنبور الماء، لم تكن هناك موسيقى تصويرية، حتى في أكثر المشاهد درامية، الصمت يتحول الى جزء مكمل للفيلم.
اختارت مجلة (تايم ماغازين) الأمريكية فيلم (أمور) كأفضل فيلم عام 2012 في إطار التصنيف السنوي الذي تقوم به كل عام. وحصل الفيلم على جائزة من مهرجان الفيلم الأوربي، وجائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان كما أشاد به النقاد والجمهور الفرنسي  كذلك حصل المخرج والسيناريست مايكل هينكه كسيناريو العام وحصلت الممثلة ايمانويل ريفا على لقب ممثلة العام.وقد اشتركت ثلاث دول في إنتاجه هي فرنسا وألمانيا النمسا. ثم أخيرا حصل على جائزة الأوسكار كأحسن فيلم أجنبي للعام الحالي..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram