حازم مبيضين المعارضون لانتخاب جمال مبارك رئيساً لجمهورية مصر، يعملون من حيث لا يدرون على تثبيت الفكرة في أذهان الناس، لأنهم يستغلون كل فرصة، وأي فرصة، للتنديد بالفكرة حتى قبل أن تتحول إلى قرار، ينتظر أن يتخذه الحزب الوطني، الذي لم يتعرض لهذه القضية في مؤتمره الأخير،
رغم أنها ( بفضل جهود المعارضة ) باتت إحدى أكثر القضايا إلحاحًا في الشارع المصري، وفي أوساط النخب السياسية والثقافية والاقتصادية، خاصة بعد أن دأبت صحف تلك المعارضة بشكل استباقي، على وصف هذا المؤتمر بأنه محطة مهمّة على طريق توريث السلطة لنجل الرئيس، في حين أن قادة الحزب ينفون ذلك بشدة، ويصفونه بأنه أكذوبة أطلقها بعضهم، وصدقوها وبدأوا بترويجها، ويؤكدون الاحتكام للقواعد الدستورية الراسخة في مصر التي لن تتوقف عجلة الحياة فيها أمام أشخاص بعينهم . واقع الأمر أننا بشكل عام ضد التوريث إذا تم بطريقة كوميدية كما جرى في جماهيرية القذافي، أو كما كان مخططاً له في العراق أيام صدام حسين، حيث كانت المفاضلة بين أيهما أقل سوءاً من أبني صدام، أما إذا كان جمال مبارك سياسياً نشيطاً استطاع كسب ثقة أعضاء حزبه ليكون مرشحاً، وإذا كانت نتيجة الانتخابات لصالحه فأين الخلل في ذلك؟. فالرجل مواطن مصري يمتلك الحق في الترشح وليس ذنبه أنه أبن رئيس الجمهورية، ومؤكد أنه سيستفيد من شعبية والده، لكن المعروف أن نشاطاته الحزبية كانت مثمرة ومفيدة ليس للحزب فقط وإنما للمواطن المصري بشكل عام، والغريب أن معارضي انتخابه، لا يذكرون فيه عيباً غير أنه ابن حسني مبارك، وذلك عيب فيهم لا نعلم كيف لا يرونه. نعرف أن الكثير من الأسر السياسية في العالم العربي تحيل إرث قادتها إلى أبنائهم ليظلوا زعماء في أسرهم وربما في أوطانهم، ولعل نظرة سريعة إلى الساحة اللبنانية توضح ذلك، فوليد جنبلاط ورث والده كمال ويسعى لتوريث ابنه تيمور، وسعد ورث رفيق الحريري، وأبناء بيير الجميل ورثوا حزب والدهم، وكذلك كميل شمعون وابنه، وعائلات الصلح وفرنجيه وارسلان .. والقائمة تطول، فلماذا تستكثر المعارضة المصرية على حسني مبارك تفكيره بأن يكون الأول في عائلة تمتهن العمل السياسي، هذا إن كان يفكر بذلك، ولماذا تستكثر على الحزب الوطني أن يختار واحداً من ألمع قياداته ليرشحه رئيساً، هذا إن قرر ذلك. ما يزال انتخاب رئيس جديد للجمهورية المصرية بعيداً وتفصلنا عنه سنتان، لكن الواضح أن المعارضة ستسعى فيهما لتأكيد فكرة ترشح جمال مبارك، من خلال رفضها لقرار لم يتخذ بعد، وحشدها لمعارضة ذلك قبل حدوثه، وسيكون طريفاً إن اكتشفنا أن هذه المعارضة، هي من زرعت ورعت فكرة أن يكون جمال مبارك رئيساً، وأن معارضتها العدمية هي التي ستدفع المواطنين للتصويت له بعد أن دفعت الحزب الوطني لترشيحه، وفتحت الأعين على ما يتمتع به من مزايا تؤهله لشغل هذا المنصب.
خارج الحدود: المعارضة وانتخاب جمال
نشر في: 31 أكتوبر, 2009: 05:53 م