لحظةً بعد أخرى، تتبدد بعض الآمال التي أنبثقت بعد اتفاق موسكو وواشنطن، على جنيف 2 ، لحل الأزمة السورية، فقد برزت شكوك في الأوساط الغربية، بشأن إمكان نجاح المؤتمر، فقد وصفه الأخضر الإبراهيمي، بإنه مجرد خطوة أولى، يقلل حتى الراعين لها من إمكانية إيجاد نهاية سريعة للحرب، وفي حين أكدت خمس دول عربية وتركيا، أن لا مكان للأسد ونظامه في أي تسوية سلمية في سوريا، فإن من المقرر أن تكون الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترفت أمس بائتلاف المعارضة السورية، باعتباره المحاور، والممثل الفعلي اللازم للانتقال السياسي في سوريا، برغم معارضة دمشق وموسكو.
يرى البعض أن المؤتمرليس سوى محاولة مبكرة لتسوية دولية، يعتقد أطرافها، أن الأمور نضجت لصفقة معينة، تستبق الوصول إلى مرحلة تنعدم فيها أي فرص للتفاوض، ويرى هؤلاء أن مؤتر جنيف بطبعته الجديدة، سيعجز عن فك العقدة السورية، لانه لن يفي بمتطلبات الثوار، وأولها إطاحة الاسد، ليكون ممكناً بناء نظام جديد يقطع الصلة بالماضي، وتتخوف المعارضة من عدم معرفة التفاصيل، وتخشى من صفقة يتم طبخها على نار هادئة من دون مشاركتها ، وفي حين يواصل الغرب مساعيه لإقناع المعارضة بالحل السياسي، فانه يعد بمعالجة التغير في موازين القوى على الأرض، وهو يميل اليوم لصالح النظام، للوصول إلى الحل المنشود.
بعض المعارضين يخشون من أن يكون مجرد كلام وإضاعة للوقت، وتوريطاً للمعارضة للجلوس مع النظام على طاولة واحدة، وهو أمر مرفوض، حتى في ظل تراجع واشنطن، وقبولها بالتفسير الروسي لبيان جنيف1، الذي لا يتضمن رحيل الأسد، وحتى في ظل وضع المعارضة البائس وهي مفككة ولا تمتلك امدادات تسليحية، وباتت بين مطرقة قوات الأسد وسندان الضغط الغربي لمحاورته، والواضح هنا أن تباين الرؤية بين المعارضة السورية والدول الغربية، برغم اتفاقهما الستراتيجي على ضرورة إطاحة الاسد، سيدفع المعارضين لواحد من خيارين إما إطالة أمد الصراع بغض النظر عن التكاليف البشرية والمادية، أو التعاون مع الإرادة الدولية للوصول لهدفها بأقل الأثمان، وهذا ما يفرض على المعارضة إعادة حساباتها، إن كانت قادرةً على ذلك.
برغم أن موسكو طرف رئيس في الدعوة للمؤتمر، فإن دمشق عادت للتأكيد أن مسألة رحيل الرئيس، وشكل الحكم والدستور، من جوهر وصلب مفهوم السيادة الوطنية، وهي أمور غير قابلة للنقاش أو الحوار، وطالبت قبل إعلان موافقتها على الحضور، بالاطلاع على كافة التفاصيل، ويبدو ان الأسد تشجع جراء المكاسب العسكرية التي حققها، نتيجة تدخل حزب الله عسكرياً في المعارك ضد معاقل المعارضة، في الفترة الأخيرة، فصمم على التشبث بالسلطة، غير أن من المفيد هنا التذكير بأنه في نهاية هذا العام، ستكون الأمور قد نضجت لتدخل أميركي ينهي الملف السوري حتى لو كان تدخلاً عسكريا.
هكذا إذن، المعارضة تطلب التفاصيل، وهي في حال ضعف وتفكك وتراجع، وتتهم الغرب بالتخلي عنها، والنظام أيضاً يطالب بأدق التفاصيل، وهو يرى أنه بات في الموقع الأقوى، موسكو تقدم تفسيراً مختلفاً في الظاهر عن رؤية واشنطن للمؤتمر، لاتتمسك بالأسد، لكنها ترفض الإشتراط المسبق بوصول المؤتمر إلى إطاحته، أمّا الادارة الاميركية، ومعها بعض الدول العربية، فإنها ترى أنه لم يعد للأسد مكان في مستقبل سوريا، في الأثناء انخرطت إيران فعلياً في الصراع العسكري، فيما تجري محاولات حثيثة لنقل الشرر إلى تركيا، وربما بعض دول الجوار، وإن بوتيرة أبطأ، وبما يسمح لنا بالقول إن جنيف 2 ولد على كف عفريت، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل، وهي مازالت شديدة الغموض.
جنيف 2 وشيطان التفاصيل
[post-views]
نشر في: 15 مايو, 2013: 09:01 م