اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كاهن الترانيم الحزينة

كاهن الترانيم الحزينة

نشر في: 15 مايو, 2013: 09:01 م

للمرة الثالثة تجمعني جلسة خاصَّة مع الفنان، كريم منصور. وللمرة الثالثة يُدخلني إلى معبد الأغنية العراقية الأصيلة، ويعمدني هناك ببراعة كاهن، كاهن لا يستخدم الماء المقدس كما هي عادة الكهان، لكنه يستخدم بدلاً عنه صوتاً متبلاً بنشيج الهور وحزن شواطئه التائهة.
ومع أن كريم منصور اخذ حظاً وافراً من الشهرة، ويكاد أن يهيمن على ذائقة شريحة واسعة من العراقيين، إلا أنه، شأن كل مبدع عراقي، يعاني من لعنة الضياع في العراق، وكأن العراق بحر من رمال متحركة لا يستطيع أن يقاوم التهامها أكبر عفاريت الإبداع وعمالقته. ولذلك إذا ما أردت أن تحصد كامل زرعك فعليك أن ترتمي بأحضان بلد آخر. وهذا ما لم يحصل مع المصريين مثلاً، فلدى المصريين ثقافة قادرة على تسويق مبدعيها، لديها قدرة كبيرة على إنتاجهم وإعادة إنتاجهم من جديد، عندنا الوضع مختلف ولا أعرف السبب.
كاد لقاء العمالقة، الذي حدث بين كاظم إسماعيل كاطع وكريم منصور، أن يجعل منهما أسطورة تهز الذائقة الناطقة بالعربية، لكن حروب العراق وحصار العراق واحتلال العراق، أكلت معظم الفن الذي انطلق في الثمانينات. وأكلت، بالتأكيد، التعويذة الإبداعية التي تلاها على رؤوسنا هذان العملاقان.
الأغنية التي أنتجتها هذا اللقاء، غائرة في الحزن العراقي ومتمسكة، حدّ الجنون، بأصالته وقدرته على إيقاظ الذائقة المولعة بالألم. لذلك لن تستطيع أن تسمع صوتاً قادراً على رشك برذاذ من النشيج مثل هذا الرذاذ:
يا مهر الصبر ما كضك اعنان، نسمع بس صهيلك وين شارد؟
كل ساعة وتعتني اچفوف بطران، وانا جلد العليه اقماشه بايد.
فها هنا ألم لا تستطيع أن تدَّعيه غير الذائقة العراقية المطاردة بأحزانها، وهي ذائقة لا تستسيغ صوتاً لا يتشح بالألم أو لا يملك قدرة على إيقاظ مارده النائم داخل أعماق روحها المعذبة.. صوت يستطيع أن يوصل الدلالات التي تريد الوصول إليها هذه الصورة الشعرية:
دفنته وجيت؟
أي والله، دفنته وجيت.
والك رجلين جابنك مشي ورديت؟
أي والله دفنته وجيت.
والك چفين تتحنه بتراب المكبرة وما تستحي من الميت؟
أي والله، دفنته وجيت.
مدام اتكول أي والله، دفنته وجيت. چا هو العدل وانته صفيت الميت.
مثل كريم منصور لا يجب أن يقلق على مصيره، ويتردد كثيراً عندما يُطلب منه، ترك وظيفةَ مدير مدرسة في المنفى، والعودة إلى الغناء في العراق، مثل كريم يجب أن يكون مترفاً ولا يفكر بغير فنه، لكن للضياع في العراق رب لا يعرف معنى الإبداع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram