كان مؤسفاً بكل المقاييس وبعيداً عن أخلاق الأردنيين، أن يتعرض احتفال السفارة العراقية في عمان، بمناسبة اليوم الوطني للمقابر الجماعية، إلى محاولة بعض الغوغاء، من أنصار حزب البعث الأردني الموالي للنظام العراقي السابق، التشويش على المناسبة، بافتعالهم اشتباكاً مع منظمي الحفل الذي جرى بحضور عدد من السفراء العرب، وذلك لمنع عرض فيلم يؤكد المقابر الجماعية زمن صدام الذي ردد الغوغاء هتافات تمجده، ووصول الأمر إلى محاولة بائسة للاعتداء على السفير العراقي، ما دفع الأمن للتدخل والسيطرة على الوضع، حيث تابع المحتفلون برنامجهم بكل هدوء.
لن يضير السفير العراقي، الدكتور جواد هادي ، الذي يلقى الاحترام عند الأوساط السياسية والشعبية كافة، أن يتصدى له أيتام صدام، محاولين إفشال فعالية تذكّر العالم بالمآسي التي ضربت العراقيين، إبّان حكم "القائد الضرورة"، وهم يدعونه للراحة، لأنهم يواصلون من بعده "الكفاح"، وعلى اعتبار التهجم على سفير دولة ضيف على الأردن، هو من أبواب ذلك الكفاح، مع أن الرجل لم يزد على استذكار شهداء المقابر الجماعية، باعتبار أن تضحياتهم ودمائهم الزكية، أسست ومهدت لبناء العراق الديمقراطي الجديد، الذي يسير نحو إقامة العدل، وإنصاف الضحايا، وبناء الوطن، وحماية المكتسبات بدون تراجع، فالتسامي على الخلافات من أجل الوطن من شيم الكبار، والسفير منهم بالتأكيد.
اغتاظ الغوغاء من أيتام صدام، من تأكيد السفير على ضرورة تكاتف كل الجهود لبناء العراق، على أساس العدالة والحرية والكرامة والمساواة، وتمكين شعبه من التمتع بكامل حقوقه الدستورية، من خلال ترسيخ مبادئ النظام الديمقراطي، وأثار غضبهم، حين شدد أن مثل هذه المناسبات، تشكل حافزاً، لتجاوز كل ما من شأنه أن يعثّر مسيرة الإعمار والبناء، وأن يتطلع الجميع لحياة أفضل، تسودها الديمقراطية والمشاركة، واعتماد مبدأ الحوار، وأن تكون حقوق الإنسان، معيار عمل يستند عليه الجميع، مع اختلاف الرؤى والأفكار والانتماءات، تلك لغة لايفهمونها، ولايقبلونها للعراقيين.
لم يعجب الغوغاء، أن تعلن مندوبة المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أن المفوضية وضعت خطةً إستراتيجية لمعالجة هذا الملف للضغط على صناع القرار بهدف بذل جهود أكبر، والعمل بشكل جاد، لحسم الكثير من القضايا المتعلقة به ، وكان مقتلاً لهم أن يبيّن ممثل ضحايا تلك المقابر، بأنه في هذا اليوم، يتذاكر العراقيون الأحداث المؤلمة، التي خلفت مئات المقابر الجماعية، التي احتوت على رفات الألوف من الأبرياء، من العرب والأكراد والتركمان والشيعة والسنة.
أصحاب اللغة الخشبية التي ترى الأمة ممسوخةً في جسد القائد، يغيظهم الحديث عن الشعب وحقوقه وتطلعاته وأمانيه، فما دام قائدهم مرتاحاً، حتى وهو في قبره، فإن أوهام السيطرة والهيمنة والتفرد، تظل حيّة عند أصغر واحد فيهم، وهو يظن نفسه كبيراً، لمجرد أنه يعبد فرداً فرض نفسه على الجميع، بالبطش والتآمر والخديعة، ومحاولات استحضار ذلك القائد من قبره، دليل على الفراغ الذي يجيز لنا أن نطلق على أتباعه لقب الأيتام، وعلى أنهم مجرد أرقام في ماكينة حساباته، المعطلة هذه الأيام، والتي ظلّت مكرسة لمصلحته الشخصية التي تأتي فوق كل اعتبار.
مرةً أخرى وعاشرة، نقول إنه لا يضير السفير المحترم، أن يتهجم عليه مثل هؤلاء، وهم يتوهمون القدرة على العودة بالتاريخ إلى الوراء، ويجهلون استحالة ذلك، حتّى لو استعانوا بالقاعدة وأخواتها، وحتّى لو خرج كل ما في نفوسهم الصغيرة من الحقد، على كل ماهو طيب ونبيل.
السفير العراقي المحترم والغوغاء
[post-views]
نشر في: 18 مايو, 2013: 09:01 م