يقول علماء الأنثروبولوجيا إن الوعي السحري ليس وعياً اعتباطياً، بل هو وعي سابق على مرحلة اكتشاف علل وأسباب الظواهر الطبيعية، ولذلك، فما نعتقد بأنه سلوك غير علمي أو اعتباطي، مما يصدر عن هذا الوعي ليس كذلك، فالساحر الذي يُحرق دمية بغرض التأثير على شخص ما، إنما يفعل ذلك لأنه يجد الكائنات المتشابهة تتصرف وتمرض وتموت بنفس الطريقة. من هنا جاء اعتقاده بأن التشابه علة من العلل، وهو لذلك، إذا أراد أن يؤثر على شخص ما، فإنه يصنع دمية تشبهه، ثم يقوم بتعريضها إلى الأذى الذي يريد الحاقه بالشخص المقصود.
إذا أخذنا هذه المعلومة بنظر الاعتبار استطعنا أن نحلل الكثير من رموز الأساطير التي نعتقد بأنها غير ذات معنى، وأن نفهم دلالات الحركات والفعاليات الطقوسية. فمثلاً نلاحظ أن طقوس الدفن في بعض الثقافات، كما يؤكد مختصون، تحيل إلى عملية الولادة، فالقبر يتم حفره على شكل حرف (L)، أي أنه يتكون من شق طولي يشبه أنبوب المهبل، ومن لحد في نهايته يشبه الرحم. كما أن الميت يتم إدخاله إلى القبر من قدميه، وهي عكس عملية خروجه من بطن الأم، حيث يخرج رأسه أولاً. وفي النهاية يتم إغلاق فتحة اللحد بالطابوق بعد إدخال الجثة إليها، لحمايتها من التراب، ليتحول القبر، بعد تمام الدفن إلى دمية تحاكي الرحم. خاصَّة وإن مظهر القبر، بعد بنائه من الخارج، يحيل هو الآخر إلى انتفاخ بطن المرأة الحامل بسبب الحمل، فهو إلى وقت قريب كان يبنى بشكل مقوس. وأخيراً، تأتي عملية امتناع أهل الميت عن زيارته قبل اتمامه أربعين يوماً بعد الموت، لتقابل فترة نفاس المرأة بعد الولادة، حيث تترك خلالها محرومة من الاتصال المباشر من قبل أغلب أفراد العائلة.
إذن؛ إلى ماذا تهدف عملية المحاكاة هذه بين الموت والولادة؟ وهل تنطلق من نفس منطق الساحر صاحب الدمية؟ الشيء المؤكد أن طقوس الدفن هذه ليست ذات جذور دينية، بمعنى أن الأديان أقرتها لأنها سابقة عليها ولا تتقاطع معها. يبدو لي أن هذا الطقس يسعى إلى إعادة الميت إلى الحياة، فهذا الميت كان قد اكتسب حياته في رحم الأم، لذلك هو يصنع له رحماً مشابهاً ويعيده إليه، على أمل أن تؤدي هذه العملية إلى عودته إلى الحياة، ومع أن الحياة لا تعود إلا أن الطقس يستمر، بعد أن يتحول إلى ممارسة مقدسة، هي أقرب إلى التعويذة المكتوبة بلغة منسية وغير مفهومة، لكنها تحظى بثقة من يحملونها.
تعويذة القبر السحرية
[post-views]
نشر في: 18 مايو, 2013: 09:01 م