TOP

جريدة المدى > عام > تحولات الكائن في نصوص حميد المختار السردية

تحولات الكائن في نصوص حميد المختار السردية

نشر في: 19 مايو, 2013: 10:01 م

تمتثل نصوص الروائي حميد المختار السردية، قصص وروايات، الى أتساع مديات الخبرة، التي تكشف عن موهبة السارد الذي يصر على مهنيةٍ عاليةٍ في الاشتغال السردي ومعالجة النصوص التي تبتعد كثيراً عن التقليدية أو الثبات عند بعض مستلزمات الكتابة الصارمة أو اشتراطات

تمتثل نصوص الروائي حميد المختار السردية، قصص وروايات، الى أتساع مديات الخبرة، التي تكشف عن موهبة السارد الذي يصر على مهنيةٍ عاليةٍ في الاشتغال السردي ومعالجة النصوص التي تبتعد كثيراً عن التقليدية أو الثبات عند بعض مستلزمات الكتابة الصارمة أو اشتراطاتها القاسية التي تبتعد في بعض الأحيان عن جوهر العملية الفنية وما يتطلبه النص من حرية كافية.
والمتابع الأدبي لقصص وروايات قدمها لنا المختار بكل جدارة، سوف يضع اليد على تلك الطاقة التعبيرية في خلقِ مناخٍ يلائم عمل المخيلة الجانحة مع حيثيات الواقع المرير والمريض الذي عاشه بطل قصص وروايات حميد المختار، وأن قدراً من الشاعرية المقصودة يمكنهُ أن يتحكم في كبح المزيد من توترات السرد، إن تلك الشاعرية هي في الحقيقة ما يصر عليها المؤلف لتهيئةِ المناخ المناسب لإضاءة النفق الطويل الذي وجدَ السارد نفسهُ فيه، يعاني محنةً كبيرةً، هي في جوهرها محنةً مزدوجةً، أنها محنة العقل الحيوي الذي يدرك مداه ويعرفُ علاماتهِ السردية التي يمكن ان تقال في حضرة المحبوب، لذا، دائماً نجد مزيجاً متماسكاً من الرؤى والمواقف المتباينة من الفنتازيا الى الواقع، الذي يعتمد في بعض صفحاته على عنصر المحاكاة المعروف، والواقع في النصوص يبدو متوارياً أمام المخيلة وعملها الدؤوب، حتى يخيل إلينا : أن النص لن يتوقف عند نقطةٍ أو نهاية متوقعة، أنه نص مفتوح لأن لا حدود للرؤيا أو ساعاتٍ يتجلى فيها الزاهد أو العاشق لفنه وهو لا يطمح من هذهِ الحياة غير الوصول الى الحقيقة : ((ولما أدركوا المنى وفهموا المعنى غادروا صورَهم تاركين ظلمة الأجساد الى علو لا تطاله الأيدي أو الرغبات الجامحة)) أليس هذا صراع الأضداد أو المغايرة في تقبل الحياة على أسس روحانيه أو مادية صارخة بماديتها المشخصة في ساعة ينجلي عن خطواتنا ما نعانيه عادةً في السر أو العلن، نحن الذين نحمل على أكتافنا صولجان الكتابة. 
ولا أخفي إعجابي في العديد من نصوص الزميل المثابر والمجدد حميد المختار، لكني هنا أود التواصل مع أحد نصوصه المتميزة، أعني بهِ نص ــ الذئب ــ حيث نجد إن الذئب يستطيع مخالفة طبيعتهِ المستديمة، ليغدو في لحظةٍ نادرة حكيماً أو شاعراً بل نرى الذئاب تقوم بتدريب الإنسان على استقبال مناحٍ مختلفة من الحياة ((ذات ليلة أصابت بعض القذائف والصواريخ حديقة الحيوانات والسيرك المجاور لها،ومنذ تلك الليلة تغير الوضع في المدينة تماماً وأنقلب رأساً على عقب، لقد خرجت الذئاب من أقفاصها متحررة أخيراً من اسرِ بني الإنسان وظلمهم وجبروتهم)) ص114 ــ خان الدراويش. 
وإذا أخذنا نص ــ الذئب ــ من مجموعته القصصية المعنونة بــ : ــ 
خان الدراويش (لاحظ دلالة العنوان وقصديته في تأشيره الهدف المرتجى وصوله الى وعي المتلقي) إذا أخذناه أنموذجاً قصصياً، لنهج الرؤيا أو فوق الواقعية سوف نتلمس انحسار الواقع في الوقت الذي يخلي الطريق أمام طاقة الخيال للتعبير عن عثرات السياسة وحماقاتها في ذلك الواقع المنحرف نحو عالم الذئاب، والتي تمتلك ذكاءً يفوق ذكاء مدربها (الإنسان) بحيث نجدها في الأخير هي العاقلة بل وتستحق منا الإعجاب والدهشة، فقد تركت الإنسان يتحول الى مواقعها، بينما هي بدأت تكتب الشعر وتتعلم الضرب على الآلة الكاتبة .. إننا أمام حالة من حالات التحول المفاجئة، وإذا أمعنا النظر في عبارة التحول سنجدها تعمل من داخل النص بقوه فاعلة، فالتحول ــ من ... الى ــ في نصوص الزميل حميد المختار يشكل عنصراً بارزاً، فالكثير من القصص والنصوص تُعلن عن تحولها من الإنسان الى مظاهر أخرى خارجة عن سياقات وضعه الفيزيائي : ((أفقت ذات صباح لأجدني وقد تحولت الى طبل .)) إن استنطاق الكائنات غير العاقلة كالذئاب أو الأشياء الجامدة كالطبل، هو دريئة لأبعاد الخطر عن النفس وللتمويه على الخصم والعدو الظالم المتجبر الذي يريد إسكاننا أو تحويلَنا عن إنسانيتنا واستلاب حريتنا ان ما يروم إليه السارد هو الحفاظ على وعيه وسط فوضى الوجود العاتي للسلطة .. إن تحول الكائنات الى مسوخ أو أشباح هو نهج معروف في الآداب العالمية منذ كتب الشاعر الإغريقي اوفيد كتابه ــ التحولات ــ ومروراً بفرانز كافكا وروايته المسخ، أنه يشكل عنصراً من عناصر الاحتجاج على السلطة أو القوة الباغية، ولعل السرد المتواتر الذي عرف بهِ نص حميد المختار هو إحدى طرائق التعبير عن رفضه للظلم والطغيان وان هذا التحول الصارم يشكل إدانة غير مباشرة لانحراف الإنسان عن جادة الصواب، وان التماهي بين السارد ونصه وبين الراوي ورموزه أو أقنعتهِ المتعددة عبر عملية التحولات المستمرة، كُلها تتم من خلال تنازل الصوت الخاص عن حقوقه في التصريح والإعلان عن تلك الحقوق الى صوت الجماعة، أي الناس الذين لا يمتلكون صوتاً يعبر عن همومهم وآمالهم الضائعة، ولعل هذه الفقرة من ابرز عذابات السارد الذي لا يكفُ عن معاناتهِ اليومية تجاه ما يقاسيه الناس الذين يعرفهم السارد أو أولئك الذين يقفون معه في الجانب الآخر، وان اللجوء الى ما هو فوق واقعي أو ما ورائي هو لجوء من يريد تحشيد قواه ضد المتعسف الجاني الذي لا يرعوي أمام انهيار الإنسان الذي يحلم بالخير والجمال والحب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

في مديح الكُتب المملة

مقالات ذات صلة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع
عام

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

علي بدركانت مارلين مونرو، رمزاَ أبدياً لجمال غريب وأنوثة لا تقهر، لكن حياتها الشخصية قصة مختلفة تمامًا. في العام 1956، قررت مارلين أن تبتعد عن عالم هوليوود قليلاً، وتتزوج من آرثر ميلر، الكاتب المسرحي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram