مَن وصف الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف بانه أهم ظاهرة ايجابية أنتجها الربيع العربي، فقد صدق. عشت في مصر فترة ليست قليلة قبل سقوط مبارك ومثلها بعد سقوطه، لم تستوقفني ظاهرة إعلامية مهمة فيها مثل برنامج "البرنامج". في آخر حلقة ظهر الممثل الكوميدي سمير غانم ضيفا على البرنامج. تابعت قفشاته الواعية فازددت يقينا بان سر نجاح باسم يوسف لا يكمن في قدراته الاعلامية الفذة، وحسب، بل في خصوصية الروحية المصرية التواقة للضحك ايضا. هذه الخصوصية يندر ان نجد مثيلا لها عند بقية الشعوب العربية ومنها، ان لم يكن في مقدمتها، شعبنا العراقي.
ليس المقصود هنا اني أفضل المصريين على العراقيين، بل هكذا هي الشعوب دائما تختلف عن بعضها في كثير من الصفات التي اغلبها يكون نتيجة وليس سببا. لو مر بالمصريين ما مر على العراقيين خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، فقط، لأدمنوا الحزن والبكاء مثلما أدمنا عليهما. لا يخطر ببالي، ولا بعقلي أيضا، ان يكتب شاعر مصري ما قاله شاعرنا الراحل الكبير كاظم اسماعيل الكاطع:
تكلي اضحك؟ تريد اضحك؟
حتى أنسه الحزن واضحك
جيب شوي فرح واكطع نفس جرحك
وسني الما ضحك بالعيد جا يوم الطبك يضحك؟
كذلك لا يخطر ببالي ولا حتى بأحلامي وكوابيسي العراقية ان يكتب شاعر غنائي عراقي أغنية مثل:
الدنيا الربيع.. والجو بديع..
قفلي على كل المواضع.. قفل.. قفل
نحن شعب علمنا طغاة الأمس واليوم وربونا على قواعد نحتاج كي نكسرها الى هزة أو إعصار بقوة "تسونامي". فالضحك، كما تقول أمهاتنا وجداتنا، مجلبة للشر، ومعقدّونا يرونه "من قلة الأدب". ومن يحكمنا اليوم مقتنع، من فرق شعره "المتقن" حد الشعرة، والمصبوغ بكفاءة عالية، بشعار "أن المؤمنين حزينون".
اقولها، بمرارة، ان مشكلة غياب الإعلام الساخر بالعراق، ليس سببها عدم وجود إعلامي ساخر محترف، مثل باسم يوسف، بل سببها الأول أننا لا نعرف كيف نضحك ولا نقدر قيمة الضحك. ها هم المصريون اليوم يقاومون تطرف الأحزاب الإسلاموية بالضحك حتى صار لدى الشعب امل بالخلاص من تسلطهم بفعل الرأي العام الساخر منهم. سينجحون لانهم استعملوا سلاح المقاومة بالضحك.
المقاومة بالضحك، لو أُتقن استعمالها، في تحريك الرأي العام يمكن ان تسقط حكومة مستبدة وتبني دولة ديمقراطية. أما المقاومة بـ "اللطم" و"المفخخات" و"الاختطاف" و"العبوات" و"كواتم" الصوت" و"كيل الاتهامات" وتأجيج "الغرائز" الطائفية، فحتى ان نجحت في اسقاط حكومة، فانها لا يمكن أن تبني دولة أبداً، وان بنتها فستكون على غرار دولة الظلام والمقابر والعودة لعصور ما قبل التاريخ.