ليست مهمةً أبداً دعوات تيار المحافظين الإيراني لاستبعاد رفسنجاني ومشائي من لائحة المقبولين للترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة. أكثر من ذلك، ليس مهماً من منهما سيفوز، لو قبل ترشحهما، أو حتى لو كان الرئيس القادم هو نجاد الثاني مادامت سلطة ولي الفقيه مطلقة ومصانة وتعلو على ما سواها، مستندةً إلى فتاوى دينية تعصم المرشد وتمنحه الحق باشتراط طاعته، لكل من يسعى ليكون "رئيساً"، حتى لو كديكور مكمل، للجمهورية الإسلامية.
لعبة الانقسام بين محافظين وإصلاحيين، لم تعد تنطلي على غير السذج، واتهام نجاد بأنه كان منحرفاً ويسعى اليوم لمزيد من الانحراف بدعمه لصهره ومستشاره، ليس أكثر من مماحكات انتخابية موجهة أصلاً لجمهور الناخبين، وليست مؤشراً فعلياً على سياسات يتبناها هذا الطرف أو ذاك، ومجلس صيانة الدستور، في واقع الحال، ليس أكثر من أداة بيد ولي الفقيه يوجهها لتحقيق مصلحة النظام الذي يقوده، وليس لمصلحة البلاد، والفرق واضح بين مصلحة الحاكم والدولة، خصوصاً في الدول التي تتحايل على الديمقراطية.
في ظل الانقسامات التي تضرب إيران، ابتداءً بالمحافظين والإصلاحيين، وصولاً إلى برلمان صوري، يظل المرجع هو ولي الفقيه بما يمتلكه من سلطات دينية، ويزعم توظيفها لخدمة الدين والمجتمع.
لا يقف المرشد متفرجاً على لعبة الانتخابات، فهو يحدد مواصفات الرئيس المقبل ويحث الناخبين على اختيار رئيس "ثوري مؤمن ذي عزم جهادي"، وينتقد مرشحين "يطرحون شعارات خارجة عن صلاحيات رئيس الجمهورية، وإمكانات البلاد، لكسب الأصوات"، وبمعنى أدق يطالبون للرئيس بصلاحيات يتمتع بها اليوم المرشد فقط، ومنها على سبيل المثال العلاقات مع دول العالم التي يمتلك المرشد حق تحديدها، وصولاً إلى وضع تفاصيلها الدقيقة، أي أنه يمارس فعلياً دور الرئيس ووزير الخارجية في آن معاً.
قبل أن يفكر مجلس صيانة الدستور باستبعاد أي من طالبي الموافقة على الترشح، لابد من استدعاء نتائج الانتخابات السابقة التي انقسم فيها المجتمع الإيراني بحدّة، بين من فاز وهو متهم بالخسارة، وبين من خسر وهو واثق بالفوز، ذلك أن لكل مترشح جمهوره الذي يتوهم أنه، أي المترشح، يمتلك قدرة على التغيير والتأثير، خارج الدائرة المغلقة للمرشد الأعلى، وهو جمهور مستعد للنضال لضمان الفوز، ولذلك ليس مستغرباً أن يجاهر بعض المترشحين بقربهم من ولي الفقيه الذي لم يمنح بركاته علناً لأي منهم حتى اللحظة.
على كثرة طالبي الرضى والقبول بترشحهم لمعركة محسومة النتائج على الصعيد العملي، فان المراقبين يعتقدون أن المنافسة على "المنصب" ستنحصر بين رفسنجاني ومشائي وقاليباف، وربما يشاركهم السباق ولايتي وجليلي، واللافت أن كل واحد منهم يدعي الولاء للمرشد، وإن كان مشائي يقوم بذلك على استحياء، بسبب "انحرافه"، وهو الذي منعه خامنئي من تولي بعض المواقع إبّان رئاسة صهره، كما يبدو لافتاً أن نجاد الثاني يعلن تصادمه مع شقيقه المنتهية ولايته، لمجرد أنه فكّر بالتمرد قليلاً على سلطات المرشد المطلقة.
بغض النظر عن الفائز بالمنصب الرئاسي في إيران، سيظل ولي الفقيه الحاكم الفعلي، ما دامت سيوف الحرس الثوري مشرعةً للدفاع عن سلطته المطلقة المستمدة من السماء وليس من الشعب.










