TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل فات الأوان حقاً؟

هل فات الأوان حقاً؟

نشر في: 20 مايو, 2013: 10:01 م

الجميع يقولون إننا على مشارف زلزال. لكن هل فات أوان تجنب ذلك؟ دائما هناك فرصة للنجاة حين نعتقد ان النجاة ممكنة. المشكلة تبدأ وحسب حين نفترض ان السلامة صارت من الماضي وان الحل هو ان نقع في دوامة البلاء.
لماذا لم يبادر احد الزعماء لجمع عقلاء البلاد وإعادة تعريف المشكلة ووضع طريقة نتقاسم فيها خبزنا دون إراقة دم؟ لقد طرحت هذا السؤال على اكثر من زعيم. إجاباتهم تفاوتت.
بعضهم يقول: يمكننا ان نجتمع، لكننا لن نتفق. لقد كنا نجتمع طيلة عشرة أعوام وهذه هي النتيجة. بعضهم يقول: ان الحل سهل، بضعة تفاهمات مع الإقليم وأخرى مع القوى الداخلية. لا يوجد تعسر، الاجتثاث قابل للحل، مسؤولية الأمن للمحافظات قابلة للحل. قانون النفط يسير أيضا. لكن سبق ان اتفقنا في أربيل على خارطة طريق ثم انهار كل شيء لحظة رحيل الأمريكان. لان المالكي راح يقوم لوحده ودون مشاورة احد، بوضع قواعد جديدة للعبة لا تعجب أحدا. طالما المالكي في السلطة فان تغيير وجهة الأمور صعبة.
تسأل: المالكي ليس كل شيء، ومعظم ساسة الشيعة ضد نهجه داعين للتهدئة. فلماذا لا يصار الى حوار معهم؟ يجيبك: الشيعة بكل مراكز قواهم باتوا عديمي التأثير على المالكي. وعليهم هم ان يبادروا لفعل شيء.
تسأل الشيعة فيردون عليك بالمختصر: المالكي لن يتطرف اكثر. تأثيرنا عليه محدود بسبب قيود أميركية وإيرانية. في الاقتراع البرلماني سيبدأ التغيير بالتنسيق مع الشركاء.
نعم لقد طلب الأمريكان والإيرانيون ان يبقى المالكي بضعة شهور حتى الاقتراع. لكنه أثناء هذا ارتكب حزمة أخطاء رهيبة، وسيرتكب المزيد. الشرخ الاجتماعي يكبر، والقطيعة بين الساسة تتعاظم، وسيكون في وسع اي طرف داخلي أو خارجي ان يستخدم "بزنس الموت" ويحرك المفخخات وفرق الخطف ليحاول وضعنا في عين الهاوية. بهذه الطريقة وبالاستسلام للانسداد السياسي، وبالعجز عن تقديم أي مبادرة، نكون مستسلمين لفكرة ان لا شيء يوقف الزلازل حتى انتهاء دورة المالكي.
لقد كنا نراهن على ان العراقيين تعلموا درس ٢٠٠٦ وان الزمام لن ينفلت وان القتل سيظل "تحت السيطرة". لكن الأمور بدأت تتعقد حقا مع فضيحة الحويجة. ثم تواصل التعقيد مع إعدام الجنود في الرمادي. وبتنا اليوم أمام خطف للمسافرين على الطريق الدولي وقتل للمصلين الشيعة والسنة. الكثير من العراقيين رحلوا بألم خلال بضعة أيام وقد أكون أنا أو انت، الضحية التالية. ربما نكون قد نضجنا وبقينا مصرين على ان لا نقع في الفخ ثانية، لكن الف مجنون ناقص الحكمة سيظل في وسعه تخريب كل شيء بتوريط كل الناضجين في لعبة الثأر المتكرر، والموت المتكرر.
ان تعليق الحل السياسي على مغادرة المالكي للسلطة (ربما بعد ١٠ شهور) جريمة يقترفها كل طرف عاجز عن المبادرة. فقد صار واضحا ان دماءنا سنة وشيعة، ستكون مجرد اسهم تباع وتشترى حتى تلك اللحظة في واحدة من اقذر اسواق الاسهم في العالم، وأكثرها بدائية وغريزية.
والموت لن يقتصر على شكله الفيزياوي في هذا الاطار. لان استمرار العنف وتصاعده سيقضي على اكثر الأشياء نبلا وسموا. فالمعتدلون السنة والشيعة أو كثير منهم، سيجدون انفسهم محاصرين بأصوات التطرف، وستضيع منهم فرصة ان يكونوا مؤثرين.
من يفعل هذا هو طرف بات يؤمن ان النجاة مستحيلة، وان إشعال الحرب هو امر لا مناص عنه. ومن يفعل هذا هو طرف اقنع الساسة بأن اطلاق حوار سريع امر لا طائل منه. ولذلك لم يجلس ساستنا على طاولة حوار تجمعهم برغم كل البلايا التي تتابعت فوق رؤوسنا منذ لحظة خروج الأميركان. الاجتماع النادر والمهم كان لقاء أربيل نجف. وهو لقاء لم يتكرر بذلك الثقل منذ الصيف السابق.
لا يمكن لجلسة برلمان ولا صلاة موحدة ان تعيد بناء المواقف بنحو يحاصر التيار العنفي الدموي. لا يمكن ذلك إلا عبر إعادة الاعتبار لطرف يشعر انه مهان. وهو طرف لا يحتاج ان يتورط مباشرة بالعنف، بل يكفي ان "يغض النظر" عن مجانين الدم، ويتوقف عن ممارسة التأثير لتحييدهم أو تهدئتهم.
الأبرياء يموتون في بورصة السياسة القذرة. الأبرياء سيواصلون الموت. وكبار الزعماء لا يحركون ساكنا. يتهربون من لقاء بعضهم. يتلعثمون في وضع إعلان مبادئ عراقي يصمم تفاهما أولياً على اخطر الملفات ويحصن الجبهة الداخلية من أي تدخل سلبي. الأبرياء يموتون والكبار، حتى هذه اللحظة، يتفرجون بدم بارد، كلهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. ملاك

    اتابع مايكتبه الطائي بعموده اليومي بأهتمام وعلى مدى أشهر من المتابعة وجدته يحثنا على التعلم من تجارب العالم المتحضر في اعتماد الدستور لحل الخلافات تارة ويثير فينا نزعة التمرد ضد الآخر تارة اخرى ولا ينفك من أثارة المشاعر بين فئة واخرى،، يمكنني ان اخلص الى

  2. عاشق النهرين

    عزيزي الاستاذ سرمط لم استشف من خلال متابعتي لمقالاتك سوى بغضك للمالكي هل يعني هذا ان المالكي اذا انتهت ولايته ولم يرشح نفسه لولاية ثالثة سوف يتوقف نزيف الدم ...اشك

  3. المدقق

    ان الذي يحدث في البلاد كان احد اسبابه الرئيسية هو انتم يا كتاتيب الصدفة وصحفيي النفاق والكذب ,, فانتم من اجج الشارع ضد الحكومة وانتم من نفخ في بوق الطائفية المقيتة ... فجريدة المدى وقنوات الشرقية والبغدادية والغربية والرافدين وسامراء وغيرها كانت كلها توجه

  4. أحمد هاشم الحسيني

    مشكلتك أنك لا ترى الأمور الا بنظاراتك المالكية نسبة الى نوري المالكي ولهذا لا يمكنك بصراحة أن تكتب بضمير وبالأمس سقط خمسمائة عراقي بين شهيد وجريح وأنت بقلمك شريك بمن وضع العبوات الناسفة أو أطلق الرصاص ولتذهب انت ومالكيك بصراحة ا لى الجحيم فقد سأمنا هذا ال

  5. الشمري فاروق

    السيد ملاك تعليقك هذا يجب ان يوجه الى الساده م اعضاء مجلسي النواب والوزراء من حاملي الجنسيتين فهم كثر اما السيد سرمد الطائي فقد عاد بعد السقوط من طهران غلى ما اعتقد وان حكومة طهران لم تمنح الاجئين الغراقيين اليها الجنسيه حتى من هن هم من التبعيه الايراني

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram