الساحر الذي يعرض قدراته الخارقة على الجمهور لقاء اجر، واقع بمفارقة يفترض أنها تُكذب امتلاكه هذه القدرات، لأن قواه الخارقة لم تغنه عن الحاجة الى أجور العرض، فضلاً عن بقية الحاجات. ونفس الحكم ينطبق على بائع الأحجار الكريمة التي يَدَّعى بانها جالبة للرزق، والمفارقة هنا أكبر واشد وضوحاً؛ فإذا كان مالك الحجر بحاجة إلى المال فلماذا يضطر إلى بيع ما يجلب له المال؟!
التصديق هنا مجاني، ناتج عن وعي كسول وخامل جداً. وهو نوع التصديق السائد. والذي قاد ويقود، الأعم الأغلب، من حركة الاعتقاد البشرية. ويستطيع أي منا أن يفكك الكثير من العقائد ليجد المفارقات التي تُكذب دعواها، لكن المؤمنين بها لا يعتنون باكتشاف هذه المفارقات لأنهم بحاجة إلى الإيمان، ففي النهاية الإيمان حاجة.
الحاجة إلى الإيمان ليست ثابتة، شدة وضعفاً، بل هي متغيرة بتغير الظروف. ولذلك لا يجب أن يثير استغرابنا تحول وعي جاد ونقدي إلى انعطافة تجعله يؤمن بسهولة ودون تدقيق. فكلما زادت الحاجة إلى الايمان بالمعجزة، من جهة، قلت من جهة مقابلة القدرة على النقد والتمحيص، أو غُيبت وأهملت.
عاتبني صديق لي على إهمالنا التصدي لظاهرة انتشار الإيمان بأدعياء السحر والتنجيم، فقلت له بان الكاتب أو المثقف يحرث ويزرع داخل مساحات الوعي الجاد، نسبياً، ومن يؤمنون بهذه الظواهر لا يتواجدون داخل هذه المساحات. ثم رويت له كيف أن أحد أصدقائي من الأطباء أصيب بمرض خبيث، وحاجته لإنقاذ نفسه من الموت، أضعفته واضطرته الى البحث عن المعجزة، فسافر إلى لبنان للقاء "مريم نور" الروحانية التي تدعي قدرتها على شفاء بعض الأمراض المستعصية باستخدام خلطات من الأعشاب الطبية. يقول صديقي الطبيب بان مريم نور جست نبض قلبه وأجرت له فحوصات بسيطة، ثم أخبرته، جازمة، بان جسده سليم تماماً ولا يعاني من السرطان. ومع أنه يحمل من التقارير الطبية والفحوصات المختبرية ما لا يدع أي مجال للشك، عير أنه صدق بمريم نور أول وهلة، فغادرها وهو يحلم بالهرب من مباضع الجراحين، لكن آلام جسده اضطرته في نهاية المطاف ان يجري جراحة استأصلت الأورام التي كذبت مريم نور. لذلك هو الآن يقود حملة لإنقاذ ضحايا وصفاتها الخارقة.
أخبرت صديقي الذي عاتبني بهذه الحكاية فشعر بخيبة كبيرة، ذلك أنه أيقن معي إلى أي درجة نحن مفلسون أمام جيوش الدجل الجرارة، دجل من مختلف الألوان ولا يجمعه إلا جامع واحد، هو حاجة الناس إلى الإيمان بمجانية.
أبو علي الشيباني
[post-views]
نشر في: 20 مايو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
قاسم عبد اللة
نناشدكم ونناشد كل الاقلام الشريفة بالتصدي لضاهرة الشعوذة التي انتشرت بشكل مخيف ..... والغريب ان بعض الفنانين يشاركون الدجال المدعو ابو علي الشيباني .... لقد وصلت الشعوذة حدا لا بطاق حتى انها قاربت من شعوذة السياسيين وربما ستتفوق عليها !!!!!!