بعد إنجاز حركة حماس لكل الأهداف التي انطلقت لتحقيقها، فإنها تتصدى اليوم لمهمة جديدة مقدسة، كشف عنها وزير داخليتها في غزة، وحددها بأن الأجهزة الأمنية ستراقب كل من يسهم في إخفاض مستوى الرجولة، سواء كان ذلك بارتداء السراويل الضيقة، أو إطالة شعر الرأس، "شعر اللحية مسموح ومرغوب"، وهدد بعد أن ازدرى كل منظمات حقوق الإنسان بترحيل المخالفين، لأنه لا مكان لهم في إمارته الإسلاموية، معلناً أن لديه أساليبه الخاصة التي سيطبقها، طبعاً بإذن الله.
قبل هذا الإعلان المغرق في تسلطيته، كان الوزير أمر أجهزة الشرطة التابعة له باحتجاز عدد من الشبان، وقص شعورهم، وإجبارهم على توقيع تعهد بعدم إطالة الشعر، أو ارتداء سراويل غير مرضي عنها ما، أثار فعلياً مخاوف المراكز الحقوقية، التي طالبت آنذاك النائب العام في غزة، بفتح تحقيق جدي في تلك الاعتداءات التي تمس الحريات الخاصة للمواطنين، وما رافقها من اعتداءات بالضرب، تعرض لها المحتجزون، كما طالبت الحكومة المقالة باحترام حريات المواطنين المكفولة دستورياً، ووفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
حماس بعد هدنتها مع "العدو الصهيوني"، تتفرغ اليوم لإطلاق حملة "ترسيخ الفضيلة"، وكأن القطاع يسبح في الرذيلة، وتعمل كما تقول على ترويج ما تعدّه القيم الأخلاقية الإسلامية، وتنسى أو تتجاهل في سعيها لبناء "المجتمع المؤمن"، أنه يعيش في القطاع منذ أكثر من 1500 عام، مسيحيون مؤمنون أيضاً، وهم ليسوا مضطرين للاقتناع بالإيمان الحماسي، الذي دفع حكومة الحركة لإصدار قرارها التاريخي، بمنع الاختلاط بين التلاميذ من الجنسين بعد سن التاسعة في مدارس القطاع، وليس سراً أن مواطني القطاع، يرون في حملات "أسلمة المجتمع"، الرامية لفرض رؤية وفكر الحركة على المجتمع، تشكيكاً بأخلاقهم وإساءة الظن بهم، وهو ما يرفضونه بشدة، فيما يدافع الشباب منهم عن حقهم في ارتداء ما يناسبهم، ما دام الأمر لا يخرج عن الحياء والمظهر العام.
في سياق برنامجها الإيماني، تتعامل حماس مع المرأة فقط بوصفها أختا كريمة، بمعنى ربط الاعتراف بها بوجود الأخ، الذي يسبغ عليها صفة الكريمة، وتعتمد في كل قراراتها الإيمانية على كونها حركة تقود المقاومة، ما يعني في آخر الأمر عصمتها، لأن الحديث عن أمور كالحريّات الشخصيّة وحقوق الانسان ليست في محلها، وكأن على الغزّي الامتناع عن التعبير عن استيائه ورفضه لأي من القرارات الحمساويّة، وباعتبار أنه ليس ممكناً التعامل مع حكومتها باعتبارها حكومة عاديّة تحكم بشراً عاديين.
في ظل تجاهل حماس لمعضلة المخدرات، التي تكاد تعصف بشباب غزة، سيقول البعض إن حملة ترسيخ الفضيلة سلميّة، رغم أن جوهرها هو الاعتداء على الحرية الشخصية، وفرض رؤية القائمين بها على مجتمع، قد يرفض جزء منه هذه الرؤية، في حين يسأل البعض، دون توقع الجواب، إن كانت حماس تقبل بحملة مماثلة تنصح بحلق اللحى، على اعتبار أن مظهرها منفّر، إضافةً لما تسببه من إعاقات عند الأكل، لكن الاجابة معروفة بالتأكيد، فغزة التي كان فيها سبع دور للسينما قبل النكبة، تضم اليوم زاوية للصوفيين، وتقوم جهات مرتبطة بحكومتها المقالة بالدعوة لأسلمة المسيحيين، مع أن الكثير من سكانها يرفضون التدين، ويقول بعضهم بإمكانية أن يشرب كأساً ويقاوم الاحتلال، على اعتبار أن المقاومة ليست مشروطة بارتياد المسجد.
حماس تتفرغ لنشر الفضيلة
[post-views]
نشر في: 24 مايو, 2013: 10:01 م