أتساءل بيني وبين نفسي: عن ماذا أكتب، وسط الخوف، الذي أخذ يُقلق الجميع، من نتائج التوتر الطائفي في العراق؟ هل أكتب في التفاؤل، بمحاولة للتهريج وسط مأتم محزن لدرجة مفجعة؟ أم أكتب في تحليل أسباب الشدّ الطائفي، أي الأسباب التي تدفع بأحدنا إلى النظر إلى الأحداث بعين طائفية وبشكل مستمر؟ أم أختار لنفسي ولقارئي الكريم موضوعاً يبتعد بنا عن أي قلق وإزعاج؟ في محاولة لأخذ نفس عميق، من النسيم البارد، قبل الاختناق بدخان الحرائق المقبلة.
وفعلاً، لماذا لا ابتعد بشكل مستمر عن الكتابة في الشأن السياسي، وما يقع تحت هامشه من طائفية وفساد وحرائق وتفجيرات ووووالخ؟ فما جدوى عمود يومي لا تتجاوز كلماته الـ(400) كلمة، وسط فضاء محتقن وجيوش تتحفز وأمراء حرب يؤلبون جنودهم؟ إذن فلأكتب عن الوعي، كما أفعل دائماً. أو لأكتب عن الموروث الشعبي وحكاياته الطريفة. لكن ألن أتعرض لتقريع القراء، ممن سيزعجهم قراءة الحديث البارد بينما يرقصون هم على صفيح العراق الملتهب؟
لكن قبل كل هذا وذلك، ما الذي يجعل فضاء الفيسبوك ونشرات الأخبار ومقالات الصحف، تتحدث كلها عن حرب قريبة، وقتال على وشك الاندلاع، هل هناك ما هو أكثر من تصريحات السياسيين الموتورين من جميع الجبهات؟ طيب هذا ما تعودنا عليه منذ التغيير ولحد الآن، فما الذي تغير؟ أم أن الموضوع يتعلق بالتفجيرات التي توزعت بين الأحياء الشيعية وبين الأحياء السنية، بين جوامع هؤلاء وحسينيات هؤلاء؟ لكن هذه المفردات، لوحدها، غير كافية لاندلاع قتال طائفي كالذي حدث سابقاً. على الأقل لأن جميع الساسة يعلمون جيداً بأنهم سيكونون في مقدمة ضحايا مثل هذا القتال، في حال لم يتمكنوا من الهروب بالوقت المناسب. فالجماعات المسلحة إذا نزلت للميدان وامتلكت مبررات البقاء، فسينشب بينها وبين النخبة السياسية صراع وجود، هذا ما حدث في عمليات الصحوات وفي صولة الفرسان. فبعد أن استتب الأمر للقاعدة، أو كاد، في المناطق الغربية، راحت تحاول بسط نفوذها على الأرض، وهذا يعني قلع جذور المتنفذين من شيوخ العشائر والسياسيين هناك، وهو الأمر الذي أدى إلى قتالهم ثم إزاحتهم. وهو بالضبط ما تسبب باندلاع القتال في صولة الفرسان، حيث حاولت الميليشيات الشيعية أن تقتطع لنفسها إقطاعات تكون خارج سيطرت أو نفوذ أي قوة غير قوتها.
على كل حال يبدو أنني، ودون أن أشعر، عدت لموضوع الحرب والقتال الذي حاولت الهرب منه. وتركت أحاديث الوعي والحكايات الشعبية، وهو حال أغلبنا هذه الأيام، حيث نفشل باستمرار في الخروج من دائرة العراق المحكمة.
محاولة، غير موفقة، للهروب
[post-views]
نشر في: 24 مايو, 2013: 10:01 م