لقد اتصل بايدن هاتفيا بالمالكي. نائب الرئيس الأميركي حسب بيان البيت الابيض نهار السبت، يقول لرئيس حكومتنا ان واشنطن لاتزال تتذكر "الشراكة الستراتيجية مع العراق" وينهمك في شرح عمق التحديات المشتركة وضرورة دعم العراق في "الحرب على الارهاب". ثم يتذكر بجملة واحدة يتيمة نهاية بيان البيت الابيض ان على رئيس مجلس وزرائنا ان "يتواصل مع باقي الاطراف السياسية في العراق". جيد انه تذكر.
وسيكون جيدا ايضا لو ان السيد جو بايدن خصص جزءا من عطلته في المزرعة الرئاسية لبعض ما كتبته صحافته، عن ازمة العراق، كي يتذكر ان ما يجري في بلادنا ليس مجرد مواجهة مع الارهاب "بهذه البساطة" بل إرهاباً وسط أسوأ أشكال اللامسؤولية.
ان مواجهتنا مع الارهاب حققت فيما مضى تقدما بفضل تضحيات رهيبة قدمها العراقيون والأميركان معا، وبفضل عمل مشترك قام به جنرال نسيته واشنطن اليوم هو ديفيد بترايوس، مع القبائل العراقية على حدود سوريا وفي العمق العراقي. وبفضل تسويات سياسية منحت الجميع أملاً بتحقيق تقدم ومراجعة وضع الدولة. لكن التقدم الامني الذي حصل تم تخريبه بتسارع بسبب الحمق السياسي لمن يملك النفوذ والمال والمليون جندي. فكبرت الشروخ داخل الجسد العراقي مجددا، وكثير ممن كانوا جزءا من صفقة الاستقرار الامني، قامت الحكومة بتحويلهم الى اعداء مطاردين بمذكرات قضائية غامضة ولم تستوف شروط العدالة.
وهكذا خسر العراق عيونا ومجسات وعلاقات ونفوذا كانت بمجملها عوامل ناجحة في محاصرة مسلحي القاعدة الى حد كبير. ومن اهم مسؤوليات بايدن اليوم ان يخصص جزءا من حديثه الى العراقيين، لحكاية الانهيار الحزينة هذه.
تنظيم القاعدة وهجماته البربرية ليست امرا جديدا علينا. لقد كان تحديا متواصلا لنا ولجيراننا في تركيا وايران والخليج، وشركائنا التجاريين في بلاد الغرب. لكن الجديد هو الانهيار السياسي العراقي الذي بدأ يحصل منذ لحظة خروج الاميركان وعساكرهم، ومنذ تراجع دور واشنطن السياسي الذي كان يضمن اشياء كثيرة. لقد كان الاميركان قادرين في السابق على تقديم مقترحات للتهدئة السياسية، لكنهم صاروا منذ ذلك الوقت مجرد متفرجين تقريبا، يتحدثون بفرح عن استثمارات النفط وعمالقة البترول في البصرة.. لكنهم لم يقدموا اي مساعدة تذكر ولم يستخدموا نفوذهم، لجعل الحوار ممكنا بين الاطراف العراقية. وهذه هي النتيجة.
لقد جرت اخطاء المالكي، مؤسستنا العسكرية الى معارك تزخر بالوهم وتخيل المالكي انها تجعل الجميع خاضعين لسلطته.. بالمعنى الشرقي العتيق للخضوع. وبدل ان ينشغل هو وجنرالاته بكيفية استخدام تضحيات جنودنا العراقيين، لمواصلة التضييق على القاعدة ومسلحيها، فان السلطان وجنرالاته راحوا ينفقون وقتهم في كتابة اهازيج ساذجة عن "الشجاعة" ويتغنون بالدبابات الاميركية على تخوم طوزخورماتو وفي مداخل ساحات الاعتصام ويتحسسون بنادقهم كلما اذاعوا خطابا هستيريا يخرب كل السياسة ويحولها الى مشروع "عراك بدائي".
انك يا سيد بايدن وباقي الفريق الاميركي المسؤول عن العراق، انفقتم وقتا طويلا للتحدث مع المالكي بشأن السلاح والنفط. لكن السلاح والنفط يتحول في بلادنا الى بلاء حين ينسى الجميع الاجراءات السياسية وطرق ادارة الخلاف بحكمة وبأقل الكلف. وحليفكم المالكي مولع باختيار اعلى الاساليب كلفة، وهو كما لاحظتم ولاشك، لا ينصت لحليف ولا خصم، ويستمتع باطلاق النار في كل الاتجاهات. وبالتأكيد فانكم احيانا تكلمتم معه بقسوة وأسمعتموه عبارات غاضبة، لكنكم لم تقوموا بما يكفي ابدا لمساعدة حكماء البلاد في تهدئة معقولة توفر اجواء صفقة جديدة كبرى من شأنها تجنيب البلاد ومصالحنا المشتركة مع العالم المتقدم، انهياراً مكلفاً.
المال والنفط والمليون جندي هي أمور جعلت الحوار مستحيلا منذ عامين. والعجز السياسي لدينا ولديكم، يفتح الطريق امام القاعدة التي تقتل الجميع. وسلبيتكم تفتح الطريق امام مزيد من اخطاء المالكي وتهدد الشراكة التي تكثرون من الحديث عنها. الامر اكبر من مواجهة مع الارهاب، ولم يعد ممكنا لواشنطن ان تواصل اخفاء "فضيحتها" في التستر على حماقات السياسة في بلادنا. لأن الشراكة مع الأميركان ستتحول الى "اشتراك" في أسوأ انواع الحمق السياسي.
شراكة بايدن أم "اشتراكه" في الحمق السياسي؟
[post-views]
نشر في: 25 مايو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
ابو علي الزيدي
لا أتصور أن يصدق أي عاقل أن أمريكا تريد ديمقراطية في العراق ولا في أي دولة من دول العالم الثالث .ولو كانت كذلك لما وضعت ورسخت نظام المحاصصة العرقية والطائفية في العراق ولا سكتت كل هذا الوقت على التجاوز على الدستور من قبل رئيس الحكومة ولو أن أغلب العراقيون
ابو علي الزيدي
لا أتصور أن يصدق أي عاقل أن أمريكا تريد ديمقراطية في العراق ولا في أي دولة من دول العالم الثالث .ولو كانت كذلك لما وضعت ورسخت نظام المحاصصة العرقية والطائفية في العراق ولا سكتت كل هذا الوقت على التجاوز على الدستور من قبل رئيس الحكومة ولو أن أغلب العراقيون
ابو علي الزيدي
لا أتصور أن يصدق أي عاقل أن أمريكا تريد ديمقراطية في العراق ولا في أي دولة من دول العالم الثالث .ولو كانت كذلك لما وضعت ورسخت نظام المحاصصة العرقية والطائفية في العراق ولا سكتت كل هذا الوقت على التجاوز على الدستور من قبل رئيس الحكومة ولو أن أغلب العراقيون