وارد بدر السالم ثمة فرق بين التعليم والثقافة، فإذا كانت الأخيرة هي مقدار حاصل جمعي لإرث حضاري ومدني، فإن التعليم هو قرار فردي بالنتيجة؛ وحاصل هذا القرار هو التخلف والجهل بشقه الإنفرادي الذي لا ينبغي تعميمه على المجتمعات ذات الناصية الثقافية الواسعة. وبين الاثنين توطين لعادات وتقاليد وموروثات اجتماعية، تختلف من بيئة الى أخرى ومن مجتمع الى آخر.
ويعرض البعض من المشتغلين بالحقول الجمالية الى التربية والتعليم كونهما لا يشتركان مع البيئة الثقافية ذات البُعد الحضاري ، بوصفهما ناتجاً عرضياً من نواتج الضرورة اليومية للمجتمعات السائرة في ركاب الثقافة العامة ، غير أن البعض يرى أن الثقافة هي التعليم والتربية الاجتماعية والذاكرة والإرث التاريخي والفهم الأولي لمتطلبات الحياة بتفريعاتها الكثيرة، فكل شيء يقع في باب الثقافة ، وليست الثقافة الصرف هي المعيار الأخير للأمم والشعوب. فالزراعة ثقافة والعلم ثقافة والصحة ثقافة والفلك ثقافة والرياضة ثقافة والأخلاق ثقافة أيضاً ! بين هذا وذاك نجد أنفسنا في تقييمين يفترقان في مجساتهما العميقة لمفهوم الثقافة ، لكن يمكن أن نتفق مع الرأي السائد في هذه المفهومية ودلالاتها المتعددة ، عندما يرى أن الثقافة هي أسلوب الحياة وطريقته في التعامل معها والتفكير بمتطلباتها والانسياق العلمي والعملي وراء متغيراتها ، كونها نظاماً اجتماعياً محتشداً بالعادات والتقاليد والتربية والتعليم والضوابط الأخلاقية والنظام اليومي القائم على سلوكيات اجتماعية محددة بقوانين وضعية مختلفة ، فيها الآداب والفنون والمقدسات والقيم والعقائد والتراث المحلي والبناء العمراني. لذلك فإن الثقافة بحيزها الأكاديمي لا تخرج كثيراً عن هذه التوصيفات ونُظُمها وقوانينها ، بل تعمقها وتزيد من ثرائها بآلياتها المعرفية والجمالية. والثقافة حالة مركبة تشتمل على التقاليد والآداب والفنون والتراث المحلي والمقدسات والديانات واللغة والسلوكيات وغيرها. ثقافة الذات في ميدان الحياة ثقافة الترفيه لا تخرج عن هذه الأنطقة المتداخلة من التفسيرات؛ فهي ثقافة مندمجة مع بعضها ، تُعنى بالجماعة أكثر من عنايتها بالفرد . لكنها تنطلق من ذائقة الفرد ووعيه وانسجامه مع روح الجماعة في مكانٍ ما وزمن ما وحالةٍ ما . أي أن ثقافته الفردية وسلوكه الاجتماعي هما المحددات الأولى للاندماج في هكذا ثقافة عامة مشاعة للجميع . ولا تقتصر ثقافة الترفيه على أمة أو جماعة أو منطقة أو شعب بعينه ؛ فالجميع في هذا العصر المخيف بآلياته العلمية والتكنولوجية يبحثون عن ثقافة الترفيه ، هرباً من يوميات الآلة وضغط الحياة ومتطلبات الأسرة .. فالإنسان يحتاج في أوقات كثيرة أن يتأمل ذاته ويرى المحيط من حوله بعين أخرى هي عينُ الترفيه الذي يحمل في ثناياه ثقافة الحياة الجديدة بمعانيها العريضة. ولهذا صار هذا النوع من الثقافة في موقع الرصد الإعلامي والنفسي والرسمي أيضاً ؛ إذ تعددت منافذه وتوالت المشروعات التجارية والاقتصادية لترسيخ هذا اللون من الحياة العامة .وباتت الحكومات تصرف الملايين من الدولارات في سبيل تثبيت هذه القناعة الاجتماعية بين الشعوب ؛ في جانب منها إرضاء الأفراد وتسويغ تقبل متطلباتهم المختلفة ، فمثلاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تشغّل بمفردها أكثر من 3 ملايين شخص في صناعة الترفيه والتسلية، كما تنفق 60 بليون دولار على هذه الصناعة.أمّا عربياً، فيقدر حجم سوق الترفيه والتسلية بما يقارب 10 بلايين دولار سنوياً، وهو رقم مرشح للتصاعد بحسب تقرير نشرته "برايسوتر هاوس كوبرز إل إل بي" لعام 2006.وفي تحليل لنفس المصدر شمل كلا من الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا، جاءت التوقعات بأن يصل حجم العوائد السنوية من الترفيه والتسلية بحلول عام 2009 إلى 4,2 بليون يورو، لكن في جانب آخر يكاد يكون غير ظاهر هو البذخ غير المعقول في إنشاء مؤسسات ترفيه خرجت عن فائدتها الاجتماعية ودخلت في تقسيم آخر من تقاسيم التجارة الربحية التي ترعاها الدول والمؤسسات والشركات ، تحت ذريعة إشاعة ثقافة الترفيه في صفوف المجتمع .وطبقاً لرصد ميداني في أكثر من عاصمة عربية وآسيوية وأوربية يمكن لنا أن نؤشر العديد من منافذ ثقافة الترفيه المنتشرة ، كما يمكن تحديد النوع الترفيهي الشائع هنا وهناك ، فالعالم وإن أصبح قرية صغيرة بتعبير تكنولوجيا الاتصالات الحديثة ، لكنه يبقى عالماً شاسعاً . له فرادته في تصريف شؤونه وابتداع ثقافاته وتزجية اوقاته وتصريف اعماله وشؤونه اليومية بالطرق التي يرتئيها ، دون اللجوء الى ما هو خارجي، بغض النظر عن هذا الخارجي الذي يدخل عنوة ، كوسائل الإعلام المرئية والمسموعة على سبيل المثال.وهذا ما أنتج ثقافات مختلفة بشقيها الإيجابي والسلبي. الفضائيات العارية والإنترنيت الذكي بهذا الخصوص فالفضائيات التي انتشرت بشكل مذهل منذ الثمانينيات وجدت أرضاً خصيبة لثقافة الترفيه المجانية ، وبدل أن تكون عامل ثقافة مساعداً لتنشئة أجيال معرفية متميزة ، صار معظمها أداة مضادة لفكرة التثقيف، فالأغاني العارية الهابطة إنتاجاً وفناً ولغةً هيمنت على ذائقة شرائح واسعة من الشباب العربي ، لما فيها من محفزات جنسية وغريزية تجد مساحاتها في هذه الشرائح التي يحاصرها المكبوت الاجتماعي بعناوينه المختلفة . وتطورت وسائل الت
مجتمع: رموز الترفيه في المجتمعات العربية
نشر في: 1 نوفمبر, 2009: 05:10 م