الأربعاء، 16 إبريل 2025

℃ 15
الرئيسية > أعمدة واراء > مائدة الجماهير

مائدة الجماهير

نشر في: 26 مايو, 2013: 10:01 م

ينظر المثقف، عادة، إلى الجمهور الثائر، كما ينظر فقير إلى مائدة دسمة ولا يستطيع حتى التفكير بالاقتراب منها، فالجماهير عندما تتجمَّع وتذوب في هياج عارم لا يستطيع أحد السيطرة عليها، باستثناء قادتها ممن تنسجم معهم عقائدياً أو تقاليدياً أو في بعض الأحيان طبقياً. ويخطئ المثقف إذا أراد أن يؤثر على جماهير غاضبة أو خائفة، بخطاب عقلاني هادئ؛ لأنها وهي هائجة لا تسمع ولا ترى بشكل طبيعي، بل هي تغادر منطقة الوعي إلى منطقة يتوقف فيها وعيها، حيث هناك من يسمع ويرى ويقرر بالنيابة عنها. هي تسمع ما يسمعه قائدها وترى ما يراه، أما من يكون هذا القائد، فليس مهما، المهم أن لا يكون مثقفاً ملتزماً بقضاياها، ومخلصاً لهدف إنقاذها. وكأن الجماهير تعاني من حساسية تاريخية من هذا المثقف!!
قبل أيام جمعتني مع أحد اقاربي، ممن اختلفت معهم بعد أحداث 2003، مناسبة اجتماعية، إذ اندرج هو في مدارج الهياج العام، بينما بقيت أنا أراقب من بعيد هذا الهياج. وكان قريبي يختلف بشكل جذري مع كل ما اطرحه! خاصَّة عندما كنت أدافع عن الاشتراك بالعملية السياسية أمامه، أو أهاجم حمله للسلاح وانخراطه في الميليشيات المسلحة. وكان هو بالمقابل، يتهمني بالانسياق مع الأجندات الخارجية التي تتآمر على "الأمة وعلى ملتها".
المهم، التقينا بعد انقطاع طويل، وإذا بصديقي يدافع عن ذات القضايا التي كان يختلف معي حولها، استمعت له طويلاً ولم اقاطعه، لأنني كنت أشفق على نفسي وعليه، على نفسي لأنني أردت فيما مضى أن ابيعه سلعاً كان يجدها بائرة، وعليه لأنه عاد لشراء نفس السلع لكن بعد أن أصبح ثمنها باهظاً جداً. والسبب، كما يبدو، أن القادة الذين ينوبون عنه في التفكير، ممن كانوا يمنعونه من شراء بضاعتي، دخلوا العملية السياسية من أوسع أبوابها، وصار عليهم أن يبرروا هذا الدخول، ومن هنا فقد اضطروا لعرض وبيع البضائع "الممنوعة"، فاشتراها قريبي دون أن يسأل نفسه عن جدوى دوامة الدم التي ادخله فيها مانعي بضاعة العملية السياسية السابقين وبائعيها الحاليين.
المحزن أن هناك مائدة ممدودة هذه الأيام، مائدة جماهير تقام على شرف القادة، الذين سيأكلون من جهد الجماهير وهتافاتها وقتالها وتضحياتها، وسينعمون بجميع امتيازات قيادتها، ويوجهون سفينتها إلى حيث مرفأ مصالحهم وغاياتهم. مائدة الجماهير الممدودة هذه الأيام مُحرَّمة أيضاً على المخلصين، ليس لأنهم لا يملكون أدوات التواصل مع الحشود الهائجة، لكن لأن هذه الأخيرة لا تسمع وتتبع إلا لأسياد لا يجيدون غير فن استثمار عرق العبيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تقارب طهران وواشنطن بوابة لحل أزمات العراق الاقتصادية

النساء يتحدن ضد تعديل الأحوال الشخصية والقضاء يتفاعل والمحكمة تحسم في أيار

عطلة رسمية للمسيحيين في 20 و21 نيسان

الأونروا: مخازننا فارغة والمجاعة تفتك بسكان غزة

كردستان تعطل الدوام غداً احتفالاً برأس السنة الإيزيدية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram