TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "ألف مالكي" ولا حكم الميليشيات؟

"ألف مالكي" ولا حكم الميليشيات؟

نشر في: 27 مايو, 2013: 10:01 م
ليس هذا المقال اتهاماً لأحد، لكنه "خيال اسود" ألقاه في روعي أحد المعلقين على مقال الأمس "الى انصار الحرب حصرا". 
يقول المعلق: ولو اندلعت الحرب الاهلية وانتشر المسلحون في الشوارع، فسيقول المثقفون الناقدون انفسهم: "ألف مالكي ولا حكم الميليشيات".
انه خيال اسود لطراز خطير من التمسك بالسلطة، شهده العالم الثالث مرارا، ولا احد يتمنى ان نواجهه في العراق. 
ولا اتهم هنا رئيس مجلس الوزراء بأنه يخطط لزج الميليشيات ليقوم بضربها لاحقا بهدف "استعادة الحب المفقود" بينه وبين الجمهور. لكنني اصاب بالرعب بمجرد ان اتخيل ان هناك فردا واحدا من النافذين في السلطة، يفكر بطريقة تماثل ما قاله المعلق على مقال الامس.
هل هناك من يفكر بخطة سوداء كهذه هدفها ربح الانتخابات البرلمانية بأي ثمن؟ هل خطر الامر على بال الميليشيات نفسها؟ ألم يفكروا بخطورة ان ينقلب المالكي عليهم في لحظة ويجعل من البطش بهم بطولة تزيد من حظوظه في صناديق الاقتراع؟ هل تؤدي خسارة ٧٠ مقعدا في الانتخابات الى كل هذه الهستيريا؟ ولو انتشر المسلحون في الشوارع وفقدت مؤسستنا الامنية السيطرة، فهل سيعني هذا شيئا سوى ان القائد العام فشل في صيانة هيبة الدولة، وفشل في منع المؤسسة من الانهيار؟
انه خيار اسود ولا شك. ويحسن بأي شخص نافذ تخطر على باله فكرة مماثلة، ان يبحلق طويلا في مجموعة حقائق. فإذا جرت الحرب اليوم فستكون بغياب الجيش الاميركي. وستكون بين جماعات مسلحة وساسة من الطرفين، اكثر مالا ونفوذا وخبرة في اساليب التدمير من ٢٠٠٦. وستكون ايضا وهذا الاخطر، اقحاما رسميا للعراق في اقذر جبهات التقاتل والتي تمتد من حي الشياح في ضاحية بيروت الذي قصفته الصواريخ الاحد، وتمر بضيعة القصير ومناطق بانياس، ولا يدري احد اين تنتهي. وبدل ان نحافظ على استقرار نسبي في العراق قد يسهل تفرغ الجميع لإطفاء فتنة الطوائف في الشام الكبرى، فان جميع المطبلين لفكرة "الملاحم والفتن" سيجدون في اقتتال داخلي حوالي بغداد، عرسهم الاكبر ويصفقون قائلين: لقد وقع العراق في فخ شراكة الحرب والنفط والرجال الموتى. 
ان اندلاع حرب بطعم طائفي هنا، امر لن يسهل اطفاؤه هذه المرة وليس مرشحا لإعادة تطبيق "صولة الفرسان ٢" برغبة الحصول على حب جديد يتبادله "الفارس" مع الناخبين. لان حدود الحماقة السياسية اكبر وأفظع هذه المرة. بالضبط كما كانت فرص الحوار كبيرة منذ ٢٠١٠ وتبددت الواحدة تلو الاخرى في صراع ارادات دولية وإقليمية بقينا نحن ضحيتها.
نعم لن اتهم رئيس الحكومة بأنه يفكر بسيناريو اسود لاستعادة حب مفقود مع جمهور شيعي قام اكثر من نصفه بالتصويت للصدر والحكيم والتيار المدني الشهر الماضي، وانحاز لتيار اطلق عليه دوما وصف "شيعة ضد الحرب". لكن المالكي ظل يوحي لنا بكلمات كثيرة منذ "ورطة الهاشمي" انه "لولا دولة القانون لانهار العراق" وما شابه. وكان ايضا ابرز من استخدم عبارة "الحرب الاهلية" بعد محاولة سحب الثقة دستوريا، وحين ارسل دباباته الى طوزخورماتو، ويوم وصف المتظاهرين بالفقاعات.
والحقيقة ان كثيرا من تجارب التمسك بالسلطة في العالم الثالث، قامت بمخاطبة الجمهور على هذا النحو: اما ان تقبلوني بأخطائي وفشلي، او انني اجعلكم تتحسرون على عهدي. 
وتجارب التمسك بالسلطة على هذا النحو كانت تقول ان على الجمهور ان لا يطالب بتغيير او اصلاح، والا فسنجعله يترحم على عهدنا المليء بالخطايا.
جزء من هذا مارسه المسلحون الموالون لصدام حسين في السنوات الاولى للتغيير، وكانوا يحاولون جعل الناس تترحم على حكمه المليء بالحماقة والقمع وتوريط الأمة بحروب مع كل الدنيا. لكن الامور مشت وحظينا بحياة دستورية واعدة، ومشاريع اصلاح سياسي طموح. وحين تبلورت آليات التغيير والإصلاح والحوار بهدف احتواء السخط وبناء الثقة، كان المالكي رافضا لكل ذلك ويطلب من الجمهور ان لا يخرج بتظاهرة لا في ساحة التحرير ولا ميدان الحويجة.. ويتعجب من رغبة البرلمان في استجوابه، ويقول انه لو ذهب الى البرلمان "فستنقلب الدنيا".
ليس من المعقول بعد كل التضحيات على مذبح الحلم بدولة حديثة، ان نستسلم لفكرة "الف مالكي ولا حكم الميليشيات". ان وضع النخبة السياسية بين خيار القبول بخطايا عهد المالكي، او بحكم الميليشيات، هو أسوأ ما شهدته كل تجارب التمسك بالسلطة في العالم الثالث. من هذه الزاوية ينبغي ان ينطلق اي حوار ثقافي وسياسي اليوم يريد مناقشة كيفية التعامل مع كرة النار التي تتدحرج على أجسادنا.
 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 7

  1. أسعد البصري

    وماذا تفعل لنا الحروب ؟ لا شيء . منذ فجر السومريين والآشوريين ، منذ هجرات القبائل العربية التائهة من الصحراء اليابسة إلى أرض السواد ، ومنذ هجرات الفرس والهنود والأرمن إلى بلادنا ، خلال خمسة آلاف سنة من الدموع ، والحقول المليئة بالقمح والرز والنخيل ، منذ ا

  2. مراقب منتظر

    ان المشكلة ليست بالمالكي او غيره من السياسيين العراقيين لان الذي بتصدر المشهد عليه ان ينفذ ما مطلوب بكل دقة ودم بارد غير مبالي لا بمنطق ولا بمشاعر وطنية او انسانية او اخلاقية. ان العراق بلد محتل ولا يمكن ولا حتى بالاحلام ان يتصور احدا ما ان يكون القرار وط

  3. تايه

    شكرا استاذ سرمد للاسف ان ما يحصل في العراق شئ مقيت حاليا لكن من كل ركام الخراب المتلونة بلون دمائنا ارى ان هنالك ايجابية في ما يحصل وهو سقوط اقنعة من كانو يدعون الوحدة بين العراقيين والاخوة الشعب العراقي مع الاحترام لعراقيتي ولكل العراقيين الذين لا يعترفو

  4. ناصر البصري

    رائع ومتألق دائما كما تعودنا منك سيدي الكريم . اخشى ان يكون خيار اذكاء الحرب الاهلية هو الخيار الاخير والوحيد امام السيد المالكي للبقاء في السلطة . ارجو ان تسلط الاضواء على الانعكاسات الاقتصادية لهذه الازمة على حياة العراقيين . فقد بات القطاع الخاص عاجز ع

  5. قاسم الجبوري

    أن السيد المالكي متأثر بطريقتين في ادارة الدولة العراقية ( الطريقة الايرانية ) وهي طريقة كتم الأصوات وتغيبها في الانتخابات وعدم السماح للمظاهرات , و ( الطريقة الأمريكية ) كلما زادت الأزمات ( خلقها ) كلما زاد التمسك بالعقل الوحيد القادر على فك رموز شفرة هذ

  6. عمار

    قبل ان اقرأ العمود اود التعيلق على العنوان سمعنا تصريح للسيد المنصور بالله نوري كامل المالكي (حفظه الله ورعاه)في بداية ازمة التظاهرات انه الدكتاتورية افضل من الفوضى .......يالَ العجب الزعماء بالطبيعي يبنون مجدهم على ما يقدموه من انجازات لشعوبهم وربعنه يبن

  7. العراقي

    شكرا لك يااستاذ سرمد على هذا الوعي الفكري والقرأة الجيدة تبا للحكام المجرمين وتبا للاحتلال الذي جلب بائع السبح ليكون رئيسا وتبا لثلة منافقين يصفقون لهذا الدكتاتور عاش الشعب العراقي وعاشت ارض الرافدين ارضا لكل العراقيين على عناد ايران

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram